كتاب: أوتار القلب
بقلـم: جيل بريسكو
عرض: نبيلة توفيق
يخبرنا الكتاب المقدس عن الوقت الذي سبي فيه شعب الله وعلقوا أعوادهم حزنا ورفضوا الغناء في أرض غريبة.. واليوم تغرينا الحياة بطرق كثيرة لنعلق أعوادنا على أشجار الحزن والهم وآلام الماضي أو مشكلات الحاضر، لكن الله لديه ترانيم لنا يريدنا أن نشدو بها في كل الأحوال.
وكتابنا هذا يساعدنا لنرفع أعوادنا من عدة أشجار لنعود ونعزف عليها ونرنم ترانيم الفرح مرة أخرى.. لكن يا ترى ما هي الأشجار التي علقنا عليها أعوادنا؟
أولا: شجرتا الحزن والتذمر
"على أنهار بابل هناك جلسنا بكينا عندما تذكرنا صهيون". (مزمور 137: 1).
قد نجد أنفسنا في مواقف وأماكن غير متوقعة والعالم يتمزق من حولنا فنفقد ثقتنا في الله وفي الآخرين وفي الحياة نفسها. ونتساءل كيف نرنم في هذه الأرض الغريبة؟ وهنا نتعلم الشفقة على النفس والتذمر فتسكت ترانيمنا ونعلق أعوادنا على شجرتي الحزن والتذمر..
وتقول كاتبتنا لندخل إلى أرض الرجاء ونتعلم انتظار الرب ونرفض الحزن والشفقة على الذات ونتذكر أن وعده أمين "وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر" (متى 28: 20). وهناك سيتجدد فرحنا فمصدر قوتنا هو شخص الرب ..
ثانيا: شجرتا الضغينة والضيق
عرف شعب الله معنى فقدان روعة الحياة بسبب شجرة الضغينة، فقد كانوا يسترجعون في أذهانهم شريط تعرضهم للاعتداءات في الماضي.. إنه أمر قاتل وكأنه انتحار بطيء عندما نراعي عدم الغفران في قلوبنا ونتصارع مع روح الكراهية، فالرب يقول "لي الانتقام أنا أجازي، يقول الرب" (عبرانيين 10: 30).
وتقول الكاتبة عندما لا يمكننا أن نرنم للرب فمن الأفضل أن نظل صامتين على أن نرنم ترنيمة بقلب تملؤه الضغينة..
وقد يكون هناك موقف أو علاقة تجعلنا نفقد فرحنا ونشعر بالضيق، ولكن هناك شيئاً مؤكداً أننا لن نجد راحة داخلية عندما نتصالح مع الخطية التي في حياتنا ونعلق أعوادنا على شجرتي الضغينة والضيق، وإنما الأسلوب السليم لمعالجة الأمر أن نحصي البركات مبتدئين بالبركات المادية ثم البركات في مجال العلاقات ثم البركات الروحية، ونشكر حتى على المشكلات التي لم تحل وعلى الألم الذي لم يتوقف لأن هذه الأشياء تجعلنا شاكرين ليسوع رفيقنا ومعيننا.
ثالثا: شجرتا الكد والقلق
قد ننزل إلى أعماق الشعور بالمرارة والتعب والإحباط، فمن الأمور المثبطة للهمة أن نعمل عملا يوما تلو الآخر بلا مقابل وبلا تقدير أو مكافأة أو راحة، وعندما نواجه مثل هذا الروتين القاسي فإنه يتركنا وقد استنزفنا عاطفيا حتى عندما نحصل على الراحة الجسمية .. ونجد في إيليا النبي مثالا لذلك إذ استنفذ قوته بعد ثلاث سنوات من الضغط المتواصل، واختبر الانغلاق في بيئة محدودة وما زاد الأمر صعوبة أنه كان مختبئا لأنه يواجه خطر الموت ..فجلس تحت رتمة اليأس والاكتئاب طالبا الموت .. "وكل ما فعلتم فاعملوا من القلب كما للرب ليس للناس، عالمين أنكم من الرب ستأخذون جزاء الميراث. لأنكم تخدمون الرب المسيح" (كولوسي 3 :23-24). وليس الكد والفشل فحسب يدفعنا للاكتئاب بل القلق أيضا الذي له أثره السيئ على الجسد والنفس والروح. وانتظار الرب هو المقابل، فلا يمكننا أن ننتظر الرب ونقلق في الوقت نفسه، فعندما نثق في الرب يأتي السلام إلى القلب ونختبر الحياة لا الموت والحرية لا الأسر والرجاء بدل اليأس.. "لذلك أقول لكم لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون ولا لأجسادكم بما تلبسون. أليست الحياة أفضل من الطعام والجسد أفضل من اللباس" (متى 6 :25).
وأخيراً .. هيا إلى شجرة الشكر والامتنان
"ادخلوا أبوابه بحمد دياره بالتسبيح احمدوه باركوا اسمه" (مزمور 100: 4).
إن الفرح يموت عندما لا نعيشه، ويأتي الفرح من التسبيح الموجه نحو السماء، وكذلك يأتي الفرح من المثابرة، فيجب أن نفرح أثناء الرحلة بغض النظر عن الظلام الذي في الطريق وصعوبته. والفرح أيضا هو حضوره الثمين، فعندما نختبر حضور الله لحظة بلحظة ويوما بيوم فسنجد لحياتنا معنى وراحة.. نعم .. إنه هو رافع رؤوسنا وقلوبنا وأغلى رجاء لنا وهو نور حياتنا وفرح نفوسنا. "وأما منتظرو الرب فيجددون قوة، يرفعون أجنحة كالنسور يركضون ولا يتعبون يمشون ولا يعيون." (أشعيا 40: 31).