كتاب: اعطني حريتي

كتاب: اعطني حريتي
بقلم: د.ق.فايز فارس
الناشر: دار الثقافة
عرض: نبيلة توفيق

هل توجد قوانين ثابتة تحدد الصواب والخطأ؟ وهل وصايا الله لشعبه بمثابة توصيات أم قوانين؟ وهل تصلح لكل جيل ولكل عمر؟ وما الذي يوجه السلوك المسيحي؟ وما مدى وحدود الحرية؟ وهل وضع السيد المسيح قوانين ثابتة لما يجوز وما لا يجوز؟ كتابنا هذا يجيب عن هذه الأسئلة ويقدم دراسة مبسطة لإدراك أفضل معنى للالتزام الأخلاقي في المسيحية..


الإنسان مخلوق عجيب ودعوته سامية:


الإنسان مخلوق على صورة الله ومدعو لرسالة سامية, ويستطيع أن يخطو بقدراته الروحية ليتخطى الزمن, وغاية الإنسان العظمى أن يمجد الله ويتمتع به إلى الأبد "نحن عمله مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدها لنسلك فيها" (أفسس 1.:2), إلا أننا إذا نظرنا إلى واقع حياة البشر فإننا نراهم على خلاف خطة الله لحياتهم ودعوته السامية للإنسان, إذ أن الخطية شوهت صورة الله داخل الإنسان، لذلك أرسل الله ابنه ليعيد العلاقة مع البشر من جديد.. وهنا يأتي دور الإنسان ليضع من جديد أقدامه على الطريق الذي يطلبه الله "أسعى لعلي أدرك الذي لأجله أدركني أيضاً المسيح يسوع" (فيلبي 13:3).


شريعة الله في الله في فطرة الإنسان:


لماذا يجب أن أكون صالحاً وأفعل الصلاح؟ الجواب على ذلك هو أن الالتزام بالصلاح نابع من الفطرة, فالإنسان المخلوق على صورة الله فيه الشريعة الإلهية بالفطرة, وكان من الواجب عليه كمخلوق أن يحتفظ بهذه الطبيعة ولو لم يأمره الله بها لفظياً.. إلا إن الإنسان مع سقوطه انحرف عقله وأظلم ضميره وتقسى قلبه حتى كادت الشريعة الطبيعية تمحى منه، وأصبح عقله معرضاً للتحيز ولتبرير الذات, لذلك فهو يحتاج إلى إعلان من الله لإرشاده إلى السلوك الصحيح وإلى نعمة غافرة تمسك بيمينه لتشجعه في طريق الطاعة، وتفتح أمامه باب الأمل, فلا يغرق في بالوعة اليأس بسبب عجزه عن إرضاء مطالب الناموس, لتغمر حياته بالمحبة التي هي تكميل الناموس.


الشريعة الأدبية المعلنة من الله للبشر:


أعلن الله مختصراً لشريعته في الوصايا العشر التي أعطاها لعبده موسى, وفي اللوح الأول من لوحي الشريعة نجد وصايا متعلقة بالله والسجود له وحده وتقديس اسمه ويوم عبادته، ثم ينقلنا إلى ضرورة إكرام الوالدين, وابتداء من الوصية السادسة إلى الثامنة تهتم الوصايا بالمبادئ الأولية لعلاقتنا مع الآخر. والوصية السادسة "لا تقتل" تحرم على الإنسان قتل النفس الإنسانية لأن حياة الإنسان ملك لله ولا يجوز إنهاؤها إلا بسلطة إلهية. وفي الوصية السابعة "لا تزن" يوجه الله نظرنا إلى قدسية العلاقة الزوجية إذ أوجد العائلة لتكون أساسا للنظام الاجتماعي ونواة للمجتمع بكل صوره، وتقول الوصية الثامنة "لا تسرق" أي الحصول على ما يمتلكه الآخرون دون موافقتهم أو علمهم, كما تدين الحصول على الثروة بطرق غير مشروعة.. أما الوصية التاسعة الخاصة بشهادة الزور تهدف إلى صيانة سمعة الآخرين لينال الإنسان حقه في الكرامة بالشهادة الصادقة عنه. وعندما نقرأ الوصية العاشرة نلاحظ أنها تختلف عن باقي الوصايا وتعد أعظمها إذ أنها تنهي عن اتجاه القلب الداخلي الذي تنتج عنه سائر الخطايا, فعصب الحياة هو ضبط الرغبات وحسن توجيها..


مدى التزام المسيحي بالوصايا العشرة:


إن تعاليم السيد المسيح أرست مبادئ عامة واتجاهات ثورية يمكن للإنسان أن يستنير بها في اتخاذ قرارات معينة إزاء المواقف المتجددة في حياته. فتعاليمه تخاطب الإنسان بالواجب المثالي الذي عليه أن يعمله في محبة الله وبره, فتعمل هذه التعاليم على تغيرنا نحن لنكون قوة ناقدة تدين تصرفاتنا, لنشعر بضعفنا ونقصنا وندرك حاجتنا إلى غفران الله ومعونته.. كما أن عمل الروح القدس في قلوب المؤمنين أمر يقيني, فمن الطبيعي أن يكون إرشاده متماشيا مع شريعة الله وموافقا لها.. ومسئولية المسيحي أن يتغذى بكلمة الله لينمو إلى قياس قامة ملء المسيح، وعندما يواجه موقفاً معينا يجد نفسه بين مجموعة متعارضة من المبادئ, عليه أن يطبق قانون المحبة المسئولة تحت إرشاد روح الله وفي ضوء شريعة الله المعلنة..


وأخيرا.. إنها لمسئولية عظمى تحتاج دائما إلى تفكير مسئول يوقظ الضمير ولا يهادن الطبيعة البشرية الشريرة التي تحاول استغلال المحبة أو الناموس, وقبل كل هذا وبعده, فالمسيحي يعرف أنه يحتاج إلى رحمة الله ونعمته وغفرانه.