كتاب: عمانوئيل
بقلم: الآب متى المسكين
عرض: نبيلة توفيق
الناشر: دير الأنبا مقار
هذا الكتيب يحدثنا عن لقب من ألقاب السيد المسيح ألا وهو لقب عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا الذي صار فينا بل صار لنا, وأدخلنا في كيانه فصرنا وكأننا من لحمه وعظامه.. إنها شهوة اشتهاها الآب أن يكون له بنين يحبونه ويمدحون مجده فكان لنا عمانوئيل.
تاريخ الوعد:
في أيام أحاز بن يوثام بن عزيا ملك يهوذا وقعت مملكته فريسة بين أرام وأفرايم, إذ تعاهدا أن يحارباها ويأخذاها وينصبا عليها ملكا من عندهم (أشعيا 5:7-6), "فرجف قلبه وقلوب شعبه" (أشعيا 2:7) فكلم الرب أحاز بفم أشعيا النبي قائلا اطلب آية، فقال أحاز لا أطلب ولا أجرب الرب, فقال الرب: "لكن يعطيكم السيد نفسه آية، ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل." (أشعيا 10:7-14). ثم بعد 700 سنة يتمم الله الآية ويحقق الوعد ويعطي المعجزة من عذراء داود عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا ليجعل من اليهودية آية في الأرض كلها ومن بيت داود خلاصا لكل العالم.
معه صرنا بنين:
إن معجزة ميلاد الرب من عذراء تقف في قوتها وفعلها موقف معجزة أن يدعى الله "عمانوئيل" الذي تفسيره الله معنا. فأن تلد العذراء فهذه معجزة ولكن أن يدعى المولود منها عمانوئيل فهذه معجزة المعجزات. إنها مبادرة من الله تكشف عن مدى قلقه كل الدهور السالفة وهو يترصد الوقت المناسب لكي يأتي إلينا ويبقى معنا بقاء أبدياً، إذ دفع ابنه للتجسد ثم الفداء والخلاص والمصالحة والتبني حتى صيرنا بنين لله لنقف أمامه قديسين بلا لوم نمدحه بالمحبة التي سكبها فينا بغنى.
معنا وفينا:
"لأنه يولد لنا ولد ونعطي ابنا وتكون الرياسة على كتفه" (أشعيا 6:9-7) هكذا ينتقل أشعيا من تصوير عذراء بيت داود وكيف حبلت وولدت عمانوئيل ليرى في حبل العذراء بعمانوئيل البشرية كلها وقد حملت في أحشائها ضيف السماء، وقد اقتحم جسد الإنسان وارتاح فيه كهيكله الجديد. هذه الحقيقة التي عبر عنها بولس الرسول بالحرف الواحد: "أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم الذي لكم من الله، فمجدوا الله في أجسادكم" (1 كورنثوس 19:6-20)، "هوذا مسكن الله مع الناس وهو سيسكن معهم" (رؤيا 3:21).
طفلا قديراً:
لاشك أن الذي يخطف أبصارنا وعقولنا, كيف أن الإله الجبار ينزل إلى قامة طفل؟ وتجتمع أشد صفات الله بأسا ويدعى إلها قديراً مع بساطة طفل في أشد صفات وداعته وتواضعه إلى الدرجة التي يفتخر بها وكأن بهذه المضادة العظمى يمكن فقط أن يستعلن الله للإنسان! كما أن من خلال هذه الرؤيا تبدأ دراسة اللاهوت وفهم صفات الله "تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب" (متى 29:11)، "أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء وأعلنتها للأطفال" (متى 25:11)، هذا هو المسيح الرب مسيا الله الإله العظيم الذي يحمل قلب طفل تنضح منه الوداعة ويفيض اتضاعا, وكأن المسيح لم يختر من قامات الإنسان إلا طفولته التي استودع فيها ملء لاهوته "من لايقبل ملكوت الله مثل ولد فلن يدخلملكوت السموات" (مرقس 15:10).
أخيراً..
انتهت حياة عمانوئيل الله معنا على الأرض بحصيلة حب بلغ المنتهى بتعبير إلهي يفوق الوصف ويوحي بأنه ارتبط بخاصته رباط حياة بحياة ليكون فصحه فصحنا باقتسام كأس الموت والحياة معاً, ذلك ضمانا لبقاء عمانوئيل هناك, أي كما بقي معنا هنا, نبقى معه هناك.. وقد كان لنا الوعد بعد قيامته: "ها أنا معكم كل الأيام, إلى انقضاء الدهر" (متى 20:28).