س: قرأنا عن تكميل المسيح لشريعة عين بعين وسن بسن إذ أكملها المسيح قائلا لنا "لا تقاوموا الشر. بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضا." والسؤال الآن ألا نخاف أن يتقوى الشر من طاعتنا لهذه الوصية؟
ج: على العكس تماما. فالشر يتقوى حينما تتفاعل معه بالشر، كالنار المشتعلة تتقوى بالكبريت والوقود، ولكن الشر يطفأ بقوة الله وطاعتنا للوصية الإلهية. ويقول الكتاب المقدس في أمثال سليمان الحكيم "لا تقل إني أجازي شراً. انتظر الربَّ فيخلّصك." وفي العهد الجديد مكتوب "انظروا أن لا يجازي أحدٌ أحداً عن شرٍ بشرٍّ بل كلَّ حينٍ اتبعوا الخير بعضكم لبعض وللجميع.".
لكن الشر كثيرا ما يظهر نفسه قويا ويحاول أن يقنعنا أن نلجأ إليه للدفاع عن أنفسنا والانتقام من أعدائنا. لكن هذه خدعة شيطانية، فالشر ينبع من الشيطان، والخير ينبع من الله ومن هو الأقوى، الله أم الشيطان؟ إليك ما قاله المسيح عن مملكة الشيطان في إنجيل لوقا "حينما يحفظ القويُّ دارهُ متسلحاً تكون أموالهُ في أمانٍ. ولكن متى جاءَ مَنْ هو أقوى منهُ فإنهُ يغلبهُ وينزع سلاحهُ الكامل الذي اتَّكل عليهِ ويوزّع غنائمهُ."
ومعنى قول المسيح عن الشيطان "حينما يحفظ القويُّ دارهُ متسلحاً تكون أموالهُ في أمانٍ." أي حينما يقنع الشيطان أولاده أن الشر هو السلاح الذي يجب أن يتسلحوا به، فحينئذ تكون أموال الشيطان أي ممتلكات الشيطان في أمان، فأولاده يخضعون له، ويسيرون إلى الهلاك وهم مخدوعون "بكل خديعة الإثم في الهالكين" لكن متى جاء من هو أقوى منه، وليس أقوى من الشيطان إلاّ المسيح، الذي "أخلى نفسهُ آخذاً صورة عبدٍ صائراً في شبه الناس. وإذ وُجِد في الهيئَة كإنسانٍ" حاربه الشيطان بكل قوته وانتصر المسيح على الشيطان في كل المعارك ، وحينما قربت المعركة الحاسمة في الصليب أعلن يسوع أن "رئيس هذا العالم يأتي وليس لهُ فيَّ شيءٌ." وانطلق من العلية إلى جثسيماني إلى الصليب.
وفي معركة الصليب نرى فيها قوة الشر وقوة الخير، ولا توجد معركة في الوجود تجلى فيها الشر وقوته والبر وقوته قدر تجلي القوتين في معركة الصليب. فقد أظهر الشيطان كل قوته إذ استطاع بالكراهية والحسد والمكر والخبث أن يقتل المسيح، الله الذي "ظهر في الجسد" ويقينا امتلأ الشيطان بالغرور والتعالي لفاعلية قوته حينما صرخ المسيح على الصليب "إلهي إلهي لماذا تركتني." وتصور الشيطان أن فاعلية قوة الشر قد اتسعت جداً فلم تكتفِ بصناعة الشقاقات والعثرات بين الإخوة لكنها امتدت إلى الذات الإلهية نفسها، فهوذا ابن الله الوحيد يصرخ على الصليب الهي الهي لماذا تركتني، وهذا كان أكثر جدا مما يحلم الشيطان أن يفعله بقوة شره.
لكن من الناحية الأخرى، نرى الله يتجلى في "قوة البر والحب" في الصليب كما هو مكتوب "ولكن الله بيَّن محبَّتهُ لنا لأنهُ ونحن بعدُ خطاةٌ مات المسيح لأجلنا." "لأنهُ هكذا أحبَّ الله العالم حتى بذل ابنهُ الوحيد لكي لا يهلك كلُّ مَنْ يؤمن بهِ بل تكون لهُ الحياة الأبديَّة."
فهناك على الصليب قد جعل المسيح نفسه "ذبيحة إثم" "والرب وضع عليه إثم جميعنا." ولأنه "حمل الله الذي يرفع خطية العالم." كان لابد له أن يدفع ثمن خطايانا كاملا حتى يبررنا تبريرا كاملا "لأن أجرة الخطية هي موت." والموت الحقيقي هو ترك الله للإنسان. فقد ترك الآب شخص المسيح على الصليب باعتباره ممثلا للجنس البشري حاملا خطايا البشر أجمعين، "لأنهُ جعل الذي لم يعرف خطيَّةً خطيَّةً لأجلنا لنصير نحن برَّ الله فيهِ" وكما هو مكتوب في الرسالة إلى العبرانيين "فإن الحيوانات التي يُدخَل بدمها عن الخطية إلى الأقداس بيد رئيس الكهنة تُحرَق أجسامها خارج المحلَّة. لذلك يسوع أيضاً لكي يقدّس الشعب بدم نفسهِ تأَلَّم خارج الباب." أي خارج أورشليم، ومن هنا نعرف أن كل ما جرى على الصليب كان "بمشورة الله المحتومة وعلمهِ السابق" كما هو مكتوب "وأما الله فما سبق وأنبأَ بهِ بأفواه جميع أنبيائهِ أن يتأَلم المسيح قد تَمَّمهُ هكذا." ومكتوب أيضاً "لأنهُ بالحقيقة اجتمع على فتاك القدوس يسوع الذي مسحتهُ هيرودس وبيلاطس البنطي مع أممٍ وشعوب اسرائيل ليفعلوا كل ما سَبَقَتْ فعينت يدك ومشورتك أن يكون."وحينما ننظر إلى معركة الصليب في مساء يوم الجمعة العظيمة، نسأل أنفسنا من هو الأقوى، الله أم الشيطان؟ ربما نتحير لكن حينما نأتي إلى أحد القيامة وننظر إلى معركة الصليب لنرى من هو الأقوى، الله أم الشيطان؟ نرى الأمر واضح كل الوضوح، نجد أن الشر والشيطان قد انتصروا انتصارا ظاهريا وشكليا ومبدئيا في تعيير المسيح وصلبه، لكن في النهاية نجد أن الله هو المنتصر الحقيقي في صلب المسيح وقيامته، وقيامة الكنيسة مع المسيح مغفورة الإثم مبررة ببر المسيح جالسة معه في يمين العظمة في الأعالي. كما هو مكتوب "الله الذي هو غنيٌّ في الرحمة من أجل محبَّتهِ الكثيرة التي أحبَّنا بها ونحن أمواتٌ بالخطايا أحيانا مع المسيح. بالنعمة أنتم مخلَّصون. واقامنا معهُ وأجلسنا معهُ في السماويَّات في المسيح يسوع"
هكذا نأتي إلى ختام تأملنا فنقول أن قوة الشر هي من إبليس الذي هو "كأسدٍ زائرٍ يجول ملتمساً من يبتلعهُ هو." وهنا نلاحظ أن الكتاب يقول "كأسد" وليس "أسد" أي أن ابليس هو شبه أسد، وهذا انتصار الشيطان وانتصار الشر فهو في الحقيقة "شبه انتصار" أما المنتصر الحقيقي فهو "الأسد الذي من سبط يهوذا" الذي هو المسيح البار القدير القدوس.
لذلك إن كنت مازلت مخدوعا بقوة الشر ومازلت تتسلح بالشر فتتوهم الانتصار، إعلم أن النهاية الفعلية للتسلح بالشر هي الفشل والهزيمة. لكن إن فتح الرب عينيك على نعمة المسيح المخلصة، واتحدت بشخص المسيح، فستكتشف قوة البر والقداسة والوداعة في كل معارك الحياة، وستختبر قوة الانتصار الحقيقي حتى وسط صرخات الأشرار الذين يتوهمون انتصار الشر، وستختبر يوما فيوما صدق المكتوب "لا يغلبنَّك الشرُّ بل اغلب الشرَّ بالخير" وكما قال داود "لا تَغَرْ من الأشرار ولا تحسد عمَّال الإثم فإنهم مثل الحشيش سريعاً يُقطَعون ومثل العشب الأخضر يذبلون. اتكل على الرب وافعل الخير. اسكن الأرض وارعَ الأمانة. وتلذَّذ بالرب فيعطيَك سُؤْل قلبك. سلّم للرب طريقك واتكل عليهِ وهو يُجري. ويُخرِج مثل النور برَّك وحقك مثل الظهيرة. انتظر الربَّ واصبر لهُ ولا تَغَر من الذي ينجح في طريقهِ من الرجل المجري مكايد. كُفَّ عن الغضب واترك السخط ولا تغر لفعل الشر. لأن عاملي الشر يُقطَعون والذين ينتظرون الرب هم يرثون الأرض. بعد قليل لا يكون الشرير. تطَّلع في مكانهِ فلا يكون. أما الودعاءُ فيرثون الأرض ويتلذذون في كثرة السلامة." آمين