إن كانت المعمودية تنقل الطفل إلى دائرة الأمان، وتنهى الانتساب إلى هذا العالم الواقع تحت غضب الله، فما هو الداعي للإيمان؟ بل ويمكننا أن نقول أن كل من يُدعون مسيحيون لأنهم اعتمدوا لا خوف عليهم من الغضب الآتي على العالم. وأين نذهب من القول "..والذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة بل يمكث عليه غضب الله" (يو36:3) والقول "ومن لم يؤمن يُدَن" (مر 16:16)؟ إن نوح لم يخلص من الطوفان إلا بدخوله الفلك هو وبيته، وسر هلاك العالم في أيامه هو أنه كان خارج الفلك. والماء الذي أهلك العالم هو الذي خلص نوح الذي في الفلك من العالم ، فدائرة الأمان هي في المسيح فلك نجاتنا "إذاً لاشيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع" (رو 1:8). والمعمودية أخرجتنا بل وأعلنت خلاصنا من الانتساب لهذا العالم الحاضر الشرير والواقع تحت غضب الله.
ثم أي رضى يأتي من الله على الإنسان بدون إيمان، بينما يصرِّح الله في كلمته بالقول: "ولكن بدون إيمان لا يمكن إرضاؤه" لذلك يقول عن أخنوخ: "بالإيمان نُقل أخنوخ لكي لا يرى الموت، ولم يوجد لأن الله نقله. إذ قبل نقله شهد له بأنهقدأرضى الله" (عب 5:11-6)؟ هل لكوني اعتمدت بمعمودية الماء وأنا طفل يعلن الله رضاه علىّ؟ وما هي دائرة الرضى هذه بينما يقول الرب: "لأنه من يجدني يجد الحياة، وينال رضىً من الرب" (أم35:8). كما أنه لا يمكن الحصول على كل بركات الله إلا بالإيمان بالمسيح ، وليس بشيء آخر، فمثلاً الروح القدس أحصل عليه بالإيمان (يو 38:7-39) ،(أف1 : 13-14). والتبرير أحصل عليه بالإيمان (رو1:5). والغفران كذلك (أع 43:10). والبنوة أيضاً (يو12:1).. الخ. الله باركنا بكل بركة روحية في السماويات في المسيح (أف 3:1)، ولا يمكن التمتع بها إلا عن طريق الإيمان بالمسيح يسوع.
[5]: لا توجد معمودية واحدة تمّت لطفل واحد في العهد الجديد، وكل الذين اعتمدوا مع أهل البيت تؤكد القرينة في كلمة الله إيمانهم بالمسيح. وسنتحدث عن ذلك فيما بعد (أع 41:10-48 ، 14:16و15و40 ، 32:16-34)… الخ.
[6] لماذا لم تحفظ المعمودية التي أدخلت أناساً في طفولتهم إلى دائرة الامتيازمن تركهم للمسيحية وهجرها بثمن رخيص؟!
[7] الطفل هو الشخص الذي لم يبلغ سن التمييزفي المسائل الأدبية، وهو لا يتحمل أية مسؤولية إرادية تستحق حكم الشريعة عليه بالدينونة والقصاص، لذلك لم يوجد في كل الكتاب المقدس أية إشارة تفيد أنه يوجد أطفالاً هلكوا بسبب عدم معموديتهم، وذلك لأن فداء المسيح شامل لكل البشر. والأطفال أيضاً يتمتعون بالخلاص على حساب ذبيحة المسيح، دون حاجتهم لأية ممارسه من أي نوع. فكما ناب آدم عن الجميع هكذا المسيح أيضاً (رو 18:5 -21).
[8] يُذكر في الكتاب المقدس أن الأطفال بركه معطاة من الرب ( أم 6:17 ، مز 4:128)، وكذلك عشرات التحريضات لتربيتهم و الاهتمام بهم، ويُذكر أيضاً ما للطفل من مكانة لدى الله، واهتمام الله به بسبب ضعفه ( خر 21:22–23 )، ويذكر عن سروره بحمدهم وتسبيحهم له (مز2:8). غير أن الوحي لم يذكر أنهم مطالبون بممارسات من أي نوع أو فرائض محدده ليدخلوا ملكوت السماوات (مت 4:19 ، 3:18). ولذلك لا يوجد نص واحد مباشر أو صريح في تعاليم الرب أو في الرسائل أو في سفر الأعمال يحث على معمودية الأطفال، في الوقت الذي فيه اشتمل الحديث على المعمودية وأهميتها في أسفار العهد الجديد على عشرات التفاصيل الدقيقة التي ذُكرت قبلاً. والنصوص التي يستخدمها مؤيدو فكرة معمودية الأطفال كلها وبلا استثناء إستنتاجية، لم يذكر فيها صراحةً كلمة الأطفال.
وإن قيل أن "رجل الله هو شخص يعرف فكر الرب، ويتصرف بموجبه في المسائل التي لا يوجد بشأنها نصاً صريحاً، وذلك لأنه يحفظ كلامه وليس فقط يحفظ وصاياه؛ أقول إن هذا صحيح في حالة عدم وجود حق واضح وصريح، فما قد أُعلن وكُتب لنا بخصوص المعمودية كاف لأن يجعلنا لا نتكهن ولا نستخدم استنتاجات أو تطبيقات من العهد القديم لا تعطى المعنى المطلوب.
[9] في سفر العدد نقرأ عن الحيات المحرقة التي كانت تلدغ الشعب بسبب تذمرهم على الرب وعلى موسى، وطريق الله للإحياء من خلال الحية النحاسية المعلقة على الراية (عد6:21-9). هل من الممكن أن أب ينوب عن ابنه بأن ينظر إلى الحية النحاسية إذا لدغت ابنه فيحيا؟ من الأكيد أنه لا يمكن أن يكون هذا، لأن الرب قال: "..متى لدغت حيه إنساناً ونظر إلى حية النحاس يحيا".. فالشخص الذي لُدغ كان لابد أن ينظر بنفسه إلى الحية النحاسية ليحيا، وهذا ما قاله الرب يسوع لنيقوديموس: "و كما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يُرفع ابن الإنسان، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يو 14:3-15).
[10] إننا لا نقدر أن نقول أن الطفل قد اعتمد {الكلمة التي استخدمت عن الذين اعتمدوا في كلمة الله}، بل نستطيع أن نقول عُمِّدَ، لأنه عُمل له شيء هو لم يطلبه ولا يعيه. هذا ومن جانب آخر، إذا ما كبر ورفض الإيمان فماذا تنفعه المعمودية؟ وإن كانت المعمودية لا تنفعه ما لم يؤمن عندما يكبر، فلماذا إذاً لا ننتظر حتى يكبر ويؤمن وبعدها يعتمد؟!
[11] من النتائج المحـزنة لمعمودية الأطفال،وبخاصة بين الذين يعتقدون أن الولادة الثانية تتم بالمعمودية، أنها تقف عقبة في طريق الكرازة بالإنجيل. فبمجرد أن نتكلم عن الولادة الجديدة والحصول عليها بالإيمان بالمسيح، يكون رد فعل الشخص - على الفور وبنوع من الحماس المصحوب بالتعصب العقائدي - بأنه قد وُلِدَ بالمعمودية، رغم وضوح الحق الكتابي بخصوص هذا الأمر. أي مكان يبقى بعد ذلك للكرازة بالإنجيل الصحيح لأناس شَبُّوا في هذا التعليم؟
إن الشيطان يسعى جاهداً لإضعاف تأثير الإنجيل في النفوس وذلك بإغراقه الناس في طمأنينة كاذبة، واهماً إياهم أنهم قد وُلدوا ولادةً ثانيه بالمعمودية، وإذا سألت عن يقينية الخلاص لديهم، ستسمع منهم إجابات مدهشة؛ فأحدهم يقول: من الكبرياء أن نناقش مثل هذا الموضوع، وآخر يقول: أنى لم أولد في بيت غير مسيحي، وآخر يقول: أرجو ذلك، وآخر يقول: أنا تعمدت بمعمودية الماء.. وهكذا الكثير من الإجابات.. لكن أين اليقين؟ لا تجد، لأنه لا يحصل عليه الإنسان إلا بالإيمان الحقيقي.
[12] يستند البعض في معمودية الأطفال، على القول الذي تكلم به بطرس في سفر الأعمال يوم الخمسين، عندما قال: "لأن الموعد هو لكم و لأولادكم". ونحن نعلم أننا لا يمكننا أن نبني تعليماً على نصف آية، بل يجب أن نوضحها في ضوء ما قبلها، وقرينتها في كل الكتاب. لذلك نحتاج أن نسأل: ما هو الموعد الذي يُعطى لهؤلاء التائبين ولأولادهم ولكل الذين على بعد؟ هل يا ترى المقصود بالموعد هو المعمودية؟ بالطبع تفسير مثل هذا غير مقبول. إذا قرأنا الأعداد من (أع37-41) فسوف نلاحظ أن الذين سمعوا كلام الكرازة نخسوا في قلوبهم وسألوا بطرس وسائر الرسل قائلين: "ماذا نصنع أيها الرجال الإخوة؟"، فكان جواب بطرس لهم: "توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيحلغفران الخطايا،فتقبلواعطية الروح القدس. لأن الموعد هو لكم ولأولادكم ولكل الذين على بعد، كل من يدعوه الرب إلهنا".