اما عن معمودية الاطفال
المعمــودية والأطـفال
خلال كل ما سبق يتضح لنا أنه يجب على المُعمَّد أن يكون مدركاً لما يفعله، وإلا فما هى قيمة المعمودية بالنسبة له؟ ثم من قول الرب فى (مر16:16) "من آمن واعتمد خَلَصَ"، يتضح أن المعمودية مرتبطة بالإيمان وتتم بعده، وهذا يجعل ممارسة المعمودية قاصرة على البالغين المدركين فقط، لذلك يُذكر عن النهضة التى استخدم الرب فيها فيلبس المبشر في السامرة أنها كانت سبب فرح عظيم فى تلك المدينة، أي أن المدينة كلها فرحت "لأن كثيرين من الذين بهم أرواح نجسة كانت تخرج صارخة بصوت عظيم. وكثيرون من المفلوجين والعرج شفوا" (أع 8,7:8)، أما بالنسبة للمعمودية، لم تكن لكل المدينة بل يقول "ولكن لما صدقوا فيلبس وهو يبشر بالأمور المختصة بملكوت الله وباسم يسوع المسيح، اعتمدوا رجالا ونساء" (أع 12:8). لاحـظ القول "صدقوا فيلبس وهو يبشر.. اعتمدوا رجالا ونساء". وهنا نسأل: من الذي يستطيع أن يصدق أو أن لا يصدق، سوى المُدْرِك، الأمر الذي لا يتوافر في الطفل. مع ملاحظة أنه لم يرد ذكر معمودية الأطفال فى كل الكتاب المقدس بصورة مباشرة، ولم يُر لها أي أثر في الكنيسة الأولى إلا بعد الجيل الثاني، الأمر الذي لجأت إليه الكنيسة، عندما اعتقدت خطأ أن الأطفال هالكون بسبب الخطية الأصلية والتي لا تخلص منها النفس إلا بالمعمودية، حسب زعمهم. وآخرون يرون أن معمودية الأطفال ضرورية بالرغم من أنهم يؤمنون ويقرون أن المعمودية لا تخلص الإنسان خلاصاً أبديا لا من سيادة الخطية والشيطان ولا من النار الأبدية، بانين فكرهم هذا على أنه لا بد أن يكون هناك أطفال فى العائلات التى اعتمد أفرادها على أيدى الرسل مثل بيت سجان فيلبى وآخرين، وأطلقوا عليها معمودية أهل البيت، غير أنه لا يوجد ما يثبت قولهم، بل على العكس. فكما رأينا في (أع 12:8)، يقدم لنا الكتاب المقدس تمييزاً واضحاً لشخصية وطبيعة المعمَّدين، ويصفهم بأنهم كانوا رجالاً ونساءً. ويقول الرسول بطرس عن المعمودية أنها "سؤال ضمير صالح عن الله" (1بط21:3). والجواب على سؤال الضمير الصالح يتطلب إدراكاً وإيماناً، وهذا غير متوفر فى الأطفال، إذاً ففَهْم معنى المعمودية يتطلب أناساً مدركين، لا أطفالاً تحت سن الإدراك، وإن صـح لنا أن نعمد الأطفال مثل الكبار ظانين أن هذا امتياز، فلماذا لا نشركهم في بقية الامتيازات والوصايا، مثل كسر الخبز؟! وإليك بعض الأمور التي تحتاج منا وقفة مع أنفسنا:
[1] لم يعمد يوحنا المعمدان أطفالا على الإطلاق، مع أن معموديته كان الغرض منها إعداد تلاميذ للملكوت، وكانت بشارته "توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات". وإن كان الملكوت دائرة امتياز يتم الانضمام إليه بالمعمودية، فلماذا لم يسمح يوحنا للأطفال بالمعمودية منه؟ والرسل الذين ارتبطوا بالرب، البعض منهم بدأوا يعمِّدون بعد ارتباطهم بالرب مباشرة، ومارسوا ببساطة نفس الطريقة التي اتبعها يوحنا المعمدان ( يو 22:3و26 ، 4: 1-2)، ولم يذكر عنهم أيضا أنهم عمدوا أطفالا. لقد خرج إلى يوحنا المعمدان أورشليم وكل اليهودية وجميع الكورة المحيطة بالأردن واعتمدوا منه في مياه الأردن، معترفين بخطاياهم ( مت3: 5-6). ولنلاحظ القول "خرج إليه"، والقـول "معترفين بخطاياهم".. هذه التعبيرات تستبعد وجود أطفال. في ذات يوم أحضرت الأمهات أطفالهن للرب يسوع فانتهرهم التلاميذ، فهل كان من الممكن أن يفعل التلاميذ ذلك لو كانوا يعمدون الأطفال؟ مع ملاحظة أن الرب قبَّلهم وباركهم وهم غير معتمدين، كما أنه قال: "دعوا الأولاد يأتون إلىّ ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت السماوات". لم يقل عمِّدوهم ليكون لهم ملكوت السماوات، أو عمِّدوهم لأن المعمودية هي بوابة الملكوت!! بل قال: "لمثل هؤلاء ملكوت السماوات"، مع أنهم غير معتمدين ولم يأمر الرب بعمادهم (مت13:19-15). إذاً فالشخص المدرك يجب أن يعترف بخطاياه تائباً ومؤمناً، ثم يعتمد ليكون تلميذاً في دائرة الملكوت، والطفل من غير أن يعتمد هو (كما قال الرب) له ملكوت السماوات، سواء كان والديه مؤمنين أو غير مؤمنين، مسيحيين أو غير مسيحيين، فالمعمودية مرتبطة بالاعتراف بالخطايا (مت6:3)، وهذا ما لا يمكن أن يفعله الأطفال لأنه ليست لهم بعد خطايا فعلية يعترفوا بها أو يتركوها.
[2] في سفر الأعمال (37:2-41) لم يذكر معموديةولو لطفل واحد قام بها التلاميذ يوم الخمسين، بل يذكر أن عدد الذين اعتمدوا ثلاثة آلاف نفس، هؤلاء جميعاً قبلوا الكلمة بفرح (ع41). إن قلنا أن الرسول بطرس أعطيت له مفاتيح ملكوت السماوات ففتح الباب الأول لليهود للدخول في هذه الدائرة التي تعتبر امتيازا من خلال المعمودية، فإني أتساءل: إن ما تم قد حدث في مناسبة عظيمة وهي يوم الخمسين، وهو محفل مقدس، ومن المؤكد كان هناك أطفال مع آبائهم. فلماذا لا يُذكر أن الأطفال اعتمدوا مع والديهم ليدخلوا دائرة الملكوت على مسئولية آبائهم؟ هل أخفى الروح القدس عنا وجود أطفال في هذه المناسبة مع أنه يذكر في معجزة إشباع الجموع بالخمسة أرغفة الشعير والسمكتين، أن الذين شبعوا كان عددهم خمسة آلاف رجل ما عدا النساء والأطفال؟ ثم لماذا ترك الآباء أولادهم خلفهم ولم يُدخلوهم بالمعمودية إلى دائرة الامتياز التي هي ملكوت السماوات؟ وإن صحَّ ما ذكره أحدهم: "أن التعميد والتعليم هي المكنى عنها بمفاتيح ملكوت السماوات" (مت19:16)، فها بطرس الذي أعطيت له هذه المفاتيح، لماذا لا ذكر عنه أنه عمَّد ولو طفلاً واحداً ليُدخله إلى دائرة الملكوت؟ بل على العكس يذكر عن الذين اعتمدوا أنهم نُخسوا في قلوبهم، وسألوا وواظبوا على التعليم فهم إذا مدركين.
في الدائرة الأولى (دائرة اليهودية) (أع42,41:2)، لا ترى فيها طفلا واحدا قد اعتمد وفى الدائرة الثانية (دائرة السامرة) (أع 12:8)، اعتمدوا رجالاً ونساءً فقط دون الأطفال وفى الدائرة الثالثة (دائرة الأمم أقصى الأرض) (أع 47,43:10)، يذكر عن كرنيليوس بعد أن أرسل واستدعى الرسول بطرس، أنه قد دعا أنسبائه وأصدقائه الأقربين، ولما وصل بطرس الرسول إلى بيته قال لكرنيليوس: "أستخبركم: لأي سبب استدعيتموني؟" (أع 29,24:10). عندئذ قال له كرنيليوس عما رآه، وما قيل له من ملاك الله، ثم قال: "..والآن نحن جميعا حاضرون أمام الله لنسمع جميع ما أمرك به الله" (أع 30:10-33). وكانت نتيجة كرازة الرسول بطرس - والتي انتهت بالقول "أن كل من يؤمن به {بيسوع} ينال باسمه غفران الخطايا (ع43) - أن السامعين قد آمنوا وحل الروح القدس عليهم، الأمر الذي لا يعطى لنا مجالاً لأن نقول أنه كان هناك ولو طفل واحد. ونتيجة هذا الإيمان قال الرسول بطرس: "أترى يستطيع أحد أن يمنع الماء حتى لا يعتمد هؤلاء الذين قبلوا الروح القدس كما نحن أيضا؟ وأمر أن يعتمدوا باسم الـرب" (أع44:10 –48). ومن هنا نسأل: لماذا لا يرد ذكر معمودية طفل واحد في هذه الدوائر الثلاث؟ وإن كنا نسمى المعمودية "فتح الأبواب للدخول في دائرة الملكوت" واستخدم الروح القدس كما رأينا من سُلِّمت له مفاتيح ملكوت السماوات (بطرس الرسول) في الأحداث الثلاثة، فلماذا لم يدخل الأطفال مـــع والديهم إلى هذه الدائرة بالمعمودية؟ ولماذا لم يحدد في الحادثة الأخيرة في بيت كرنيليوس نوعيه الذين اعتمدوا بالقول وقبلوا الروح القدس، وكأنه اغلق على الأطفال خارج الدائرة؟ إن كرنيليوس قبل أن يذهب بطرس إلى بيته كانت له صفات رائعة مذكورة في هذا الأصحاح، فإن كانت المعمودية تُدخل الأطفال إلى دائرة الامتياز بناءً على إيمان ومسئولية والديهم فإن كرنيليوس يكون له الأولوية في ذلك، لاسيما وهو الرجل التقى والخائف الله بحسب شهادة الروح القدس. كما أنه، بعد أن قبل الإيمان، اعتمد بالروح القدس، فلماذا لا يُذكر أن أطفالا، على حساب إيمانه، اعتمدوا ليدخلوا دائرة الامتياز والأمان والرضى؟ نعم لقد سبق الرب وقالها "لمثل هؤلاء ملكوت السماوات". إن تقدير الرب للأطفال واضح جداً في بشارة متى (ص18)، حتى انه يربط الأولاد به إذ يقول "ومن قَبِلَ ولداً واحداً مثل هذا باسمي فقد قَبِلَني" (مت5:18). ثم يربطهم بالآب فيقول: "هكذا ليست مشيئة أمام أبيكم.. أن يهلك أحد هؤلاء الصغار" (مت14:18). وفى (ص19) يُقبِّلهم ويباركهم ويصرح بأن لمثل هؤلاء ملكوت السماوات (مت13:19-15). هل تكون بعد ذلك ضرورة لمعموديتهم؟!
[3] إن كانت التلمذة تتم بأمرين هما المعمودية ثم التعليم، ونحن نعلم كتابياً أن التعليم لا يأتي إلا بعد الإيمان - أو بمعنى آخر بعد خدمه الكرازة - فأين دور التبشير والكرازة إن كانت التلمذة تتم بالعماد ثم التعليم؟ هل يصح، لكي ندعم مسألة اجتهادية، أن نلغي حقاً واضحاً، مدلوله: "كيف يؤمنون بمن لم يسمعوا به؟ وكيف يسمعون بلا كارز؟"(رو14:10)، "إذا الإيمان بالخبر، والخبر بكلمة الله" (رو17:10)؟ وما معنى أن نقول أن المعمودية تُدخل الطفل في دائرة الملكوت، دائرة امتياز؟ إن كان الأمر هكذا، فما هي الدروس التي يتعلمها الطفل في هذه الدائرة وهو بعد طفل لا يدرك؟
[4] هناك بعض التساؤلات تجول في الذهن: أولها: من هو المسيحي؟ وكيف يصبح الإنسان مسيحيا؟ ولماذا أنا مسيحي؟ وهل الإيمان يورث من الأباء؟ وهل من الممكن للآباء أن يحفظوا أطفالهم حتى يكبروا ويصلوا إلى سن الإدراك ويؤمنوا؟ وهل المعمودية لها دور في نوال بركات الله؟ ثم كيف أرضي الله بل وكيف أكون في دائرة الرضى؟ ما هو الإيمان وكيف أحصل عليه؟ ألم تخبرنا كلمة الله أن الذين دُعوا مسيحيون هم مؤمنون وتلاميذ للمسيح ( أع 26:11)؟ إذن فليس كل من انتسب إلى المسيح اسماً هو مسيحي حقيقي، بل كل من حل المسيح بالإيمان في قلبه، هذا الإيمان لا ولم ولن يورث من الأباء حتى ولو كانوا مؤمنين، يمكن للآباء تربية وتهذيب وتأديب الأبناء في تعليم الرب وإنذاره، لكن لا يمكن أن يهبوا أبناءهم الإيمان لأنه عطية الله (أف 8:2). والكتاب يذكر "..لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" (يو16:3). فالأمر مسؤولية شخصية، وسيعطي الإنسان حساباً عنه. يمكن للآباء أن يصلّوا لأجل أولادهم، وأن يوضحوا لهم طريق الخلاص، لكن الخلاص نفسه يمنحه الرب وحده. كم من آباء خدام للرب كانوا آباء روحيين لكثيرين، لكن أولادهم كانوا في منتهى الشر، مع أنهم ربما قاموا بتعميدهم وهم أطفالاً. فما هو إذاً تأثير المعمودية عليهم؟ وما هي البركات التي حصلوا عليها من وراء ذلك؟ بل أقول العكس وهذا من واقع الخدمة والاختبار، كم من آباء لا يعرفون شيئاً عن الرب وغير مختبرين لحياة الإيمان، لكن تعامل الرب مع أولادهم وصارت لهم شهادة حية وخدمة مباركة!! أين دور الآباء في مثل هذه الحالات؟ أنا لا أقلل من مسؤولية الآباء في تربية وخدمة أولادهم، لكن أتكلم من حيث المبدأ.