هل من الضروري أن يسيطر الإنسان على أعصابه ويتحكم بنفسه في ثورة غضبه، أم يترك لنفسه العنان ليفعل ما يشاء؟
لا شك أنه من الضروري أن يتحكم الإنسان بنفسه وإرادته أثناء الغضب، وأن لا يترك لنفسه العنان ليفعل ما يشاء. لأن الغضب إن لم يكبت، كثيراً ما يقود الإنسان إلى الضلال والشر والخطية، وحتى إلى ارتكاب الجرائم. ولو حاولنا البحث في أسباب معظم الجرائم التي ترتكب في المجتمع، لوجدنا أن أكثر مسبباتها تعود إلى أمور تافهة تتطور من شجار بسيط إلى فقدان السيطرة على النفس إلى ارتكاب الجريمة. فإذا كان عدم السيطرة على النفس يدفعنا إلى تنفير الناس منا ومعاداتهم لنا، أو ارتكاب ما لا تحمد عقباه، فلماذا لا نتجنب ذلك ونحاول أن نسيطر على أنفسنا، لاسيما وأننا لا نريد أن يغضب أحد علينا ويتصرف بطرق غير لائقة معنا.
هل السيطرة على النفس وكبت الغضب يولّد لدى الإنسان عقداً نفسية ويضر بصحته؟
ربما يكون ذلك صحيحاً إلى حد ما، إذا كان الشخص إنساناً حاقداً لا يعرف المسامحة، ولكنه مفروض على كل إنسان عاقل أن لا يتحكم بطباعه فحسب، بل في كل شيء في حياته، في مأكله ومشربه وعاداته، لأنه لو فعل كل ما يريد لسبب ضرراً أكبر لنفسه . تصّور إنساناً يترك لنفسه العنان ليأكل كل ما يريد بدون أن يتحكم بنهمه، فربما تنفجر معدته. ولنتصور شخصاً يجري وراء شهواته الجنسية دون أي رادع، فإنه يفقد صحته وسمعته. صحيح أن الله خلق الإنسان ومنحه الغريزة الجنسية، ولكنه أعطاه في الوقت نفسه القدرة على التحكم بها والسيطرة عليها.
إذاً على الإنسان أن يضبط نفسه وأن يتحكم في عاداته وتصرفاته، ويهذبها بناء على كلمة الله. فكل إنسان مسؤول عن تصرفاته ولا سيما إذا كانت قبيحة. تصور رجل أمن يستعمل مسدسه لقتل الناس كلما غضب أو ثارت ثائرته. فهل يصح ذلك؟ بالطبع لا، إنه مسؤول عما يفعل ويجب أن يعاقب على عمل كهذا. وهكذا نحن أيضاً، علينا أن نهذب نفوسنا وطباعنا وعاداتنا ونكون أدوات لتمجيد الله وليس لأذية الآخرين.
ويقول علماء النفس إنه على كل إنسان أن يمارس كافة حرياته، ولكن هذه الحريات يجب أن تتوقف عندما تصل إلى حدود التعدي على حرية الآخرين. فالحرية المطلقة تؤدي دائماً إلى نتائج غير محدودة.
ويعلمنا الكتاب المقدس بصورة عامة أن نحب كل الناس كأنفسنا فيقول: "كل ما تريدون أن يفعل الناس بكم، افعلوا هكذا أنتم أيضاً بهم" (متى12:7). كما يقول بولس الرسول: "اغضبوا ولا تخطئوا لا تغرب الشمس على غيظكم، ولا تعطوا إبليس مكاناً.. ليرفع من بينكم كل مرارة وسخط وغضب وصياح وتجديف مع كل خبث، وكونوا لطفاء بعضكم نحو بعض، شفوقين، متسامحين، كما سامحكم الله أيضاً في المسيح" (أفسس 26:4-27 و31-32). ويقول الكتاب المقدس أيضاً في سفر الأمثال "البطيء الغضب خير من الجبار، ومالك روحه خير ممن يأخذ مدينة" (أمثال32:16).
ولابد من معرفة العلاج كي يسيطر الإنسان على نفسه، هذا العلاج هو الصلاة. الصلاة تبعد عن الإنسان ثورة الغضب. وإن وقع في زلة لابد أن ينهض لأن فيه روح الإرادة الإلهية. في الصلاة يندم الإنسان على الخطأ. وفي الصلاة عودة إلى النفس وتوبة إلى الله. في الصلاة تولد المسامحة وتنبت المحبة.
الخلاصة: نرى أنه من واجب كل إنسان أن يتحكم بنفسه، ولا سيما في أوقات الغضب، حتى لا يسيء استعمال حريته ولا تتعدى على حرية الآخرين. لنتوكل على الله ولنتأكد أنه خير مرشد لنا في تصرفاته وكل أمور حياتنا.