يقول عبرانين 5 : 13 من لم يدرك البر فهو ليس ناضجا بعد. ومن هنا نعلم أن النضوج الروحي لا يقاس بكثرة الصلاة (رغم ضروروتها) ولا على المعرفة الكتابية الكثيرة (رغم ضرورتها)... ولكنه يقاس بإدراك البر الذي صار عليه أولاد وبنات الله. الذين ولدوا من الله.
الإدراك ليس مساويا للمعرفة. المعرفة هي المرحلة الأولى أي أنك عرفت بوجود الشيء, ولكن عندما تعرف الشيء هذا لا يعني أنك تسلك وتستفيد به. تحتاج أن تتأمل في المعرفة حتى تصل لإدراك هذا الشيء فيكون جزء لا يتجزأ منك فتطبقه بدون أن تجد صعوبة فيه. وهنا فقط تبدأ بإستخدامه في حياتك والإستفادة منه.
إدراك البر يأتي أولا بأن تعرف ما هو البر, ثم بعد أن تتأمل فيه وتفكر فيه ستتحول المعرفة وتسكن في روحك فتصير في ضميرك, أي جزء لا يتجزأ من إدراكك.
عندما جاء يسوع إلى أرضنا تكلم عن المملكة القادمة التي نعيش فيها الآن. إنها مملكة أناس أبرار. لهذا السبب كان يوجه يسوع نظرهم إلى البر الذي يتميز به مواطني هذه المملكة القادمة. أنذاك قال يسوع في إنجيل متى 6 : 33, "أَمَّا أَنْتُمْ، فَاطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ اللهِ وَبِرِّهِ، وَهَذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ".
فبهذا يتضح أن يسوع كان يربط هذه المملكة بالبر؛ الذي هو السمة المميزة لهذه المملكة وأساسها. نعم يقول الكتاب أن قاعدتها البر. لذلك دعونا نعرف أكثر عن البر.
2 كورنثوس 5: 21
فَإِنَّ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيئَةً، جَعَلَهُ اللهُ خَطِيئَةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ.
لقد جاء يسوع ليعيد الإنسان لوضعه قبل السقوط, بل وأفضل من قبل السقوط!!!!. حقاً قد صنع فداءً كافياً ليعيد الإنسان إلى وضع أفضل مما كان عليه قبل السقوط.
إن البر هو موضوع هام, عندما تدركه ستنتقل من مرحلة الطفولة الروحية إلى النضوج حيث لا تعاني من السقوط المتكرر أو الحياة المتقلبة. يقول الكتاب أن الذين أدركوا البر هم الناضجين: "..وَكُلُّ مَنْ يَتَنَاوَلُ اللَّبَنَ، يَكُونُ عَدِيمَ الْخِبْرَةِ فِي تَّعْلِيمِ الْبِرِِ ( اليوناني : عقيدة البر)، لأَنَّهُ مَا زَالَ طِفْلاً غَيْرَ نَاضِجٍ" (عبرانين 5 : 13).
بل أكثر من ذلك, فالبر له فوائد كثيرة جداً منها أن فكر الضُغطة أو أحتمالية أن يتسلط الشيطان عليك لا تطرأ على ذهنك. ستجد أن الأمور التي كانت تزعجك قد صارت غير موجودة. لماذا؟ لأنك أدركت وضعك وهويتك الحقيقية في المسيح. يقول إشعياء 54 : 14, "بِالْبِرِّ يَتِمُّ تَرْسِيخُكِ، وَتَكُونِينَ بَعِيدَةً عَنْ كُلِّ ضِيقٍ (ضغطة- تسلَّط) فَلَنْ تَخَافِي، وَنَائِيَةً عَنِ الرُّعْبِ لأَنَّهُ لَنْ يَقْتَرِبَ مِنْكِ".
يأتي الأصل العبري لهذا الشاهد: "..تكونين بعيدة عن فكر الضغطة أو أي أفكار تؤرقك وتضايقك- لن يقترب منك حتى هذا الفكر". لماذا؟ لأنك تكون عرفت مكانتك فلا يتغير أي شيء حتى ولو تغير حولك.
إشعياء 32: 17
17 فَيَكُونُ ثَمَرُ الْبِرِّ سَلاَماً، وَفِعْلُ الْبِرِّ سَكِينَةً وَطُمَأْنِينَةً إِلَى الأَبَدِ
"ويكون نتيجة البر شالوم (الأصل العبري لكلمة سلام)". وكلمة شالوم تعني سلام وصحة وإزدهار وحماية وعلاقات جيدة مع الآخرين وحرية. كل هذا نتيجة لفعل البر.
بطرس 3 : 12 لأَنَّ الرَّبَّ يَرْعَى الأَبْرَارَ بِعِنَايَتِهِ، وَيَسْتَجِيبُ إِلَى دُعَائِهِمْ.
بسبب البر ستكون متيقناً أن الله دائماً يسمع لك. فإدراكك للبر سيجعلك تصلي بثقة أن صلاتك مستجابة ومرضي عنك. إن البر هو المفتاح للحياة الروحية المستقرة. وهذه المعرفة تسبق السلوك.
دائما أشبه هذه الفكرة بهذا المثل: حدث في يوم ما حصل أحد الموظفين على ترقية في العمل إلى منصب مدير العمل كله. لكنه لم يعلم بذلك. ثم جاء في اليوم الثاني لترقيته إلى العمل وجلس على مكتبه القديم – في مكتب الموظف. ولأنه لا يعلم أن بالترقية, وجاء أحدهم يطلب منه التوقيع على شيء هام لكي يسري العمل ولا يتوقف. لكنه رفض الإمضاء مجيباً أنه ليس مديراً. فتركه العامل خوفاً لئلا يغضب من الإصرار, ثم جاء بعد قليل بوثيقة أخرى تحتاج إلى سرعة لكنه رفض أن يوُقَّع. وظل هكذا لمدة ساعات. إلى أن جاءه أحد الأصدقاء يبارك له على الترقية, فكان أول مرة يعرف ذلك. فقام بإستدعاء العامل ليحضر له الوثائق ليوقعها.
قد سلكنا هكذالبعض الوقت. فإن أدركت ما أصبحت عليه من روعة بعد الميلاد الثاني فلن تسلك كما كنت, بل ستفعل الصواب لأنك إكتشفت طبيعتك الحقيقية.. أنك لا تنتج شيئاً خاطئاً.
إن كنت مستعبداً لأي خطيئة أو عادة أو مستعبداً للحزن والإكتئاب, ستكتشف بعد قراءة لهذا الموضوع أن كل ما تعاني منه ليس حقيقياً. ستدرك أن في داخلك طبيعة البر وليس طبيعة الخطيئة. وما هذه إلا أفكار يعرضها عليك إبليس من الخارج وقد صدقتها وجعل منها إيمانك واقعاً حياً. ولكنها في حد ذاتها ليست حقيقية.