تعطينا الأنهار ـ في الكتاب المقدس ـ رمزًا جميلاً لعطية الروح القدس وتأثيره المُنعش. ومياه النهر العجيب الوارد ذكره في حزقيال47: 1- 12 تُسمى مياه حية، ولذلك فإنها بحسب كلام المسيح في يوحنا4: 14؛ وفي يوحنا7: 37- 39 فإنها تعطينا رمزًا للروح القدس. وعندما يسرد حزقيال في رؤياه مستويات متتابعة لعمق ذلك النهر، فإننا نرى فيها صورًا متعددة لتمتعنا بعطية الروح القدس.
فيمكننا أن نرى في المياه إلى الكعبين صورة لسلوكنا بالروح القدس. يقول الرسول بولس: «وإنما أقول اسلكوا بالروح، فلا تكملوا شهوة الجسد» ( غل 5: 16 ). والسلوك بالروح يعني أن أدع الروح القدس يحركني، ولا أتحرك إلا داخل المجال الذي يعمل فيه الروح القدس، ولا أحاول أو أُوجد خارج هذا المجال المبارك.
وفي المياه إلى الركبتين نرى صورة للصلاة في الروح والسجود بالروح. والصلاة في الروح تعني أن الروح القدس هو الذي يوجد فيَّ الأشواق للطلب وينشئ الطلبات التي تضمن الاستجابة من عرش النعمة، والسجود في الروح يعني أن ينعش الروح القدس فيَّ الأشواق للاقتراب إلى الأقداس لتقديم السجود الحقيقي، باعتبار الروح القدس هو قوة السجود لله.
وفي المياه إلى الحقوين نجد صورة للخدمة بالروح القدس. وإذ يتأيد المؤمن بالقوة بالروح القدس في الإنسان الباطن، فإنه يسعى للخدمة بصورة مُشبعة لقلب الله ونافعة للإخوة.
وأخيرًا المياه الطامية تمثل ملء الروح القدس. وفي هذه الحالة فإن المؤمن ليس هو الذي يحمل نفسه، بل المياه هي التي تحمله، كما أنه في هذه الحالة لا يُرى من المؤمن سوى رأسه. وما أجمل عندما يختفي الإنسان تمامًا من المشهد، ولا يُرى فينا سوى المسيح، رأسنا المبارك الكريم.
ويمكننا القول إن السلوك بالروح يقابله السلوك بحسب البشر ( 1كو 3: 3 ). والسجود بالروح يقابله السجود بالطقوس. والخدمة بالروح يقابلها الخدمة بالقوة الجسدية وبالاستحسان البشري. والامتلاء بالروح الذي يقود إلى امتلاء الكيان بالمسيح، يقابله امتلاء الإنسان بالذات البغيضة جدًا لله. والتدرج الرباعي السابق في الحياة بالروح يعني أنه كلما مارسنا العيشة بالروح أكثر، كلما اشتقنا للتمتع بالمزيد من قوته.