كتابنا هذا يفند حجج القائلين بأن الكتاب المقدس يؤيد فكرة السحر ويدعم وجود الحسد مما يدفع البعض للإيمان بتلك الظواهر, كما يقدم لمحة تاريخية عن نشأة هذه الظواهر وسببها ويقدم مقارنة بين التفكير الخرافي والتفكير العلمي الذي لا بد أن يحل محل التفكير الخرافي حتى تتقدم وتعلو هامتنا الروحية.
أولا: نشأة السحر
عرف السحر منذ القديم في مصر وبابل واليونان وفلسطين وانتشر منها إلى بلدان أخرى، وارتبط في نشأته بعمل الطب والكهنوت, فكان هناك شخص واحد يمارس السحر والدين والطب. وفي مصر كان الساحر يحصل على شهادة يسمح له من خلالها مزاولة عمله, وساعد ارتباط السحر بالطب والدين لحد ما في انتشاره في العالم القديم. ونشأ السحر كمحاولة لإخضاع الإنسان للظواهر الطبيعية التي كانت تخيفه وكمحاولة لتفهم أسباب الأمراض التي تصيبه.
ثانيا: السحر في العهد القديم
كان من الطبيعي أن ينتقل السحر إلى الشعب في العهد القديم نتيجة المعايشة مع المصريين قبل الخروج. ولذلك حاول الله أن يبعد شعبه عن هذه الممارسات لئلا ينسوا أن يتكلوا عليه ويتكلوا على قوة أخرى. والعهد القديم واضح في النهي عن السحر, فكانت عقوبة ممارسة السحر القتل رجماً (خروج 18:22)، ورجم الإنسان التابع للجان (لاويين27:20)، وأيضا الويلات لممارس السحر وطالب الأرواح (أشعيا 19:8) و(حزقيال 18:13).
ثالثاً: السحر في العهد الجديد
يواصل العهد الجديد مقاومة السحروالعرافيين وكشف ادعائهم للناس، ونجد في العهد الجديد مواقف قليلة نسبيا إذا قارناها بالعهد القديم مثل شخصية كل من سيمون وعليم الساحرين وجارية فيلبي التي كان بها روح العرافة.. ونجد بولس الرسول يشجب أعمال السحرة ووضعها ضمن أعمال الجسد (غلاطية 19:5), كما شبه الأشرار الذين يقاومون الحق بالسحرة الذين يقاومون موسى (2 تيموثاوس 1:3-9)، وعندما دخلت كلمة الله أفسس آمن عدد كبير بها ونبذوا السحر والعرافة, وكانت كلمة الله تنمو وتقوى بشدة (أعمال الرسل 19:19-20).
رابعاً: الحسد
الحسد هو النظرة الحقودة إلى ما لدى الآخرين، وهو نظرة عدم الرضى والشعور الخبيث من نحو الآخرين لأنهم يمتلكون ما لا أمتلكه. وهو خرافة من ضمن خرافات المجتمع, ويؤمن البعض بقوة الحسد ويخافون من الحاسدين. وقد ورد الحسد في الكتاب المقدس بمعنى إيجابي وبمعنى سلبي أيضا, والحسد بالمعنى الإيجابي معناه الغيرة المحمودة وقد نسب المعنى للرب نفسه كإله غيور (خروج5:20) و(خروخ 34: 14). لذلك منع العبادات الأخرى والغيرة، هنا تستند على أسس الصلاح والحب والحق لتطهير الإنسان من النظر لأية قوة غير قوة الله. أما الحسد بالمفهوم السلبي هو تمني زوال شيء يمتلكه الآخر, وهو عاطفة أنانية لا تهتم بالمصلحة الذاتية فقط, وهذا ما حدث في بعض المواقف بالكتاب المقدس مثل حسد الفلسطينيين لإسحق (تكوين 14:26), وحسد يوسف من أخوته (تكوين 11:37), قصة عيسو ويعقوب, راحيل وليئة, هامان ومردخاي وحسد اليهود للرب يسوع. ومن خلال كل القصص لا نجد تأثيرا للحسد على المحسود إلا نخر العظام للحاسد وغيظا يكاد يفتك به.
وأخيرا..
نتساءل هل يمكن أن نكسر الطوق الذي أحكم على أعناقنا منذ سنين وهو الفكر الخرافي تجاه السحر والحسد.. لقد صدقنا الفكر الخرافي فعشنا معه سنوات أسرى للخوف من السحر والحسد.. صدقنا الفكر الخرافي فحاولنا أن نجد ما يبرره في الدين.. فربطنا بين السحر والدين, وربطنا بين الخرافة والحقيقة.. أين كان العقل عندما صدقنا الخرافة والسحر؟! وأين كان العقل عندما صدقنا أن الساحر يمكن أن يتصل بالأرواح ويطلب منها ما يشاء؟! لقد ميز الله الإنسان بالعقل, فإن قيدنا عقل الإنسان بالخرافات قتلناه ودمرنا عمل يده العظيمة.. فما أروع خليقتك سيدي.. ليكن قلبي مميزا لعمل إبليس الذي يسعى دائما لطمس عقولنا بالخرافات.. وهبني أن أبدع بكل ما وهبتني لأمجدك كل حين..