صحيح أن حلم كل فتاة مرتبط بشكل أو بآخر بفستان يختال فيه الثلج وشاحاً يغطي مساحات الأحلام بحياة مفعمة بالحب والانسجام والتفاهم، وبالتالي تكوين أسرة صغيرة تكون استمراراً لأحلام وطموحات كلٍ من الشاب والفتاة.. لكن الرياح في بعض الأحيان قد تجري بما لا تشتهي سفن تلك الأحلام والآمال.
والسبب يعود في ذلك لأكثر من سبب في ظل مجتمع يعج بموروث تقليدي قيمي( اجتماعي- ديني) إضافة إلى تناقضات كثيرة فرضها التطور الذي طال المجتمع ونمط الحياة والتفكير لدى جميع الأفراد والشرائح، وبالتالي فقد حدث اختلال في بعض تلك القيم والمفاهيم كان بعضه إيجابياً، والآخر سلبياً. ونستأثر هنا في تلك الفسحة بموضوع الزواج.
إذ إن الهدف الأول من الزواج في مجتمعاتنا بشكل عام هو ( الممارسة الجنسية نتيجة الحاجة لها بعد سنين طويلة من الكبت والتقيد بالأسس الوضعية لمبدأ الحلال والحرام، فيما تُفرَض بقية الالتزامات الناتجة عن الزواج على الطرفين، خصوصاً بعد إنجاب الأطفال، والذين غالباً ما يكونون ضماناً لاستمرار العلاقة المشوهة بين الزوجين.)
أيضاً، تعاني مؤسسة الزواج في وقتنا الراهن من إشكاليات كثيرة ومتضاربة لم تكن موجودة أو ظاهرة في الماضي، إما لأن المرأة لم تكن حينها قد دخلت معترك الحياة العملية كما هي عليه الآن، أو لأن مفاهيم الجيل الجديد للعلاقة بين الجنسين وخاصة في إطار الحياة الزوجية قد اختلف عن السابق بفعل خروج المرأة للعمل، إضافة إلى الانفتاح الفضائي والإعلامي بكل اتجاهاته ومساحاته، ومقاصده أيضاً..!
ولا نستطيع إنكار التناقضات التي تكتنف العلاقة الزوجية بفعل التأرجح بين الماضي والحاضر، بين الحفاظ على الموروث أو التأثر بمفاهيم جديدة، وتبدل نظرة كل طرف للآخر وفق ما هو حاصل، مثل إيمان الرجل بأهمية تعلم المرأة وعملها، وأثره على العلاقة بينهما ونتائجه على صعيد التربية والأبناء. هذا الإيمان الذي نراه في غالب الأحيان سطحياً وغير أصيل في تفكير الرجل أثناء علاقته بالمرأة داخل الحرم الزوجي.
أيضاً عدم إدراك الطرفين لمفهوم الزواج ومسؤولياته إدراكاً واقعياً عميقاً وحقيقياً. إذ غالباً ما نرى أن الموقف من الزواج أو عدمه(العنوسة) لدى الجنسين هو ما يتحكم بالموضوع، وبالتالي يكون الدافع للزواج إما مادي، أو معنوي، فقط لأن الزواج كالقدر لا يمكن الفرار منه، أو لأنه سترة للبنت..!!
هنا وفي أغلب الحالات لا يكون هناك فهماً واضحاً ولا صحيحاً، ولا حتى صريحاً لطبيعة العلاقة الزوجية وصيرورتها، وهذا ما يفسر لنا تزايد حالات الطلاق عند حديثي الزواج.
ولنستعرض بعض الحالات التي يعيشها الأزواج الجدد في وقتنا الراهن:
فمثلاً، زواج المتعلمة من رجل أميَ أو شبه أميَ، لكنه يملك المال اللازم لإتمام الزواج( وهذا ربما لا يتوفر عند معظم المتعلمين) فالتوقعات قبل الزواج تصبح مختلفة تماماً بعده، بدءاً من الاحترام المتبادل، مروراً بقناعة الطرفين ببعضهما وإمكانية التناسب الفكري والعيش المشترك، وصولاً لما يترتب على ذلك من نتائج.
وبحكم الموروث الاجتماعي- الذكوري والذي يضع الرجل بالمرتبة الأولى، فإن النتيجة في ظل هكذا زواج تكون، إما دلال واحترام مبالغ فيه من قبل الزوج لزوجته، أو رفض ضمني وعلني لكل ما تقوله الزوجة أو تقوم به. وكلا الحالتين غير سويتين.
ففي الحالة الأولى وإذا لم تمتلك الزوجة الوعي والفهم الكامل لهذا الدلال والاحترام، فلا تكون العلاقة بنظرها إلاَ من خلال سيطرتها التامة على شخصية الزوج، وبالتالي لا تخدم هذه العلاقة لا الزوج ولا الأولاد، وهي هنا لا تفيد من علمها، فيكون دورها وفاعليتها في محيط الأسرة أكثر من تقليدي سلبي لا يهمها إلاَ ذاتها، وهذا بحد ذاته خطر يهدد الأسرة برمتها بما فيها تلك الزوجة.
أما في الحالة المقابلة والتي يتعامل فيها الزوج بديكتاتورية مطلقة فقط لأن الزوجة تفوقه علماً، وهذا ما يثير عقد النقص لديه فيترجمها رفضاً واستخفافاً بكل ما تأتي به الزوجة، وبالتالي يهمش دورها أو ربما يلغيه باستثناء ما يريده هو منها( إذا كان معك شهادة، يعني بتفهمي..؟!) وهذا أيضاً سينعكس سلباً على كامل الأسرة، وخصوصاً على طريقة ونمط تربية الأبناء والعلاقة الأبوية معهم.
إذاً في كلا الحالتين تكون الحياة غير صحيحة بظل فقدان التفاهم والانسجام، والنتيجة زواج فاشل وأسرة مفككة بكل المقاييس. وهنا يمكننا أن نخلص إلى مؤدى مفاده عدم صوابية زواج مقرون بفارق تعليمي وثقافي خصوصاً إذا كانت المرأة هي من تحوز الشهادة العلمية.
أيضاً، هناك زواج الفتاة من رجل كبير السن، وحتماً لأنه يملك كل ما يتطلبه الزواج من تكاليف مالية، فهذا الزواج ستسوده عاطفة الأبوة وسلطتها بآنٍ معاً بحكم الفارق العمري، كما ستكتنفه خلافات الرأي بسبب التفاوت وصراع الأجيال، وهذا أمر حتمي طبيعي. ربما تعتقد الفتاة هنا أن هذا الزوج سيتعامل معها بمنتهى الدلال بحكم فارق العمر بينهما، إلاَ أنَ ما يحصل غالباً هو العكس، إذ أن جلَ ما يريده الزوج هو اهتمام ودلال زوجنه لأنه يملك المال والحكمة والعمر، وكل هذه الأمور تفرض على الزوجة أن تقوم هي بهذا الدلال وتلك الطاعة، فلا يشفع لها صغر السن ولا الجمال ، ولا حتى الشهادة العلمية إن وجدت، ناهيك عن موضوع الغيرة الذي يعشش في كيان وتفكير الزوج للأسباب آنفة الذكر. وأود القول هنا أن ما ذكرته ليس مجرد رأي وحسب، وإنما هو من واقع الحياة، ومن مشاهدات ومعايشة لحالات مشابهة أو بالأحرى مطابقة نماماً لما طرحناه.
من هنا أود القول، أن أساس الزواج وشرطه الرئيسي هو الحب والانسجام، إضافة إلى التوافق الفكري والعلمي، ومتى نقص أيٌ من هذه الشروط، فإن هناك خللاً واقعاً لا محالة قد يؤثر سلباً على الحياة برمتها بما في ذلك الأولاد وطريقة تربيتهم والتعامل معهم.
ولكي نتخلص من كل هذه الإشكاليات التي تعترض شبابنا عند الإقدام على الزواج، فإن المطلوب من كلا الطرفين التعامل مع شروط الزواج بحكمة وقناعة وتشاركية واجبة وفعلية من قبل الفتاة، وذلك برفض المهور وتكاليف الزواج المرتفعة، والمعتمدة على البذخ والمظاهر الترفية غير الواقعية والتي لا تتناسب وإمكانيات الشباب وهم في مقتبل الحياة العملية، خصوصاً في ظل البطالة المبجلة والأسعار المحلقة أبداً إن كان لجهة السكن، أو للاحتياجات الأخرى.
وأيضاً وجوب قبول التشاركية في تأسيس بيت الزوجية لا سيما وأن معظم فتياتنا منتجات مادياً، وهذا ما يتيح للفتاة الزواج بمن هو مناسب لها من كل النواحي، ويتيح للشاب إمكانية الإقدام على الزواج دون خوف من تكاليف بناء بيت وأسرة، وبالتالي يتخلص الطرفان من مشكلة العنوسة القسرية التي تفرضها إما المهور العالية، أو التقليدية التي تعيشها الفتاة في الاعتماد الكلي على الرجل في تأمين متطلباتها حتى ولو كانت منتجة. وأيضاً تفرضها عقلية الشاب عند تحديد اختياره للفتاة والتي يفضلها صغيرة غير حاصلة على تعليم عالٍ، لأنها لن تنافسه على سلطته في مملكة الزوجية، وأن يبتعد عن الخوف من مشاركة المرأة المتعلمة له في صنع حياتهما وتربية أطفا لهما، لأنهما والحال هكذا سيخلقان أسرة نموذجية بكل المقاييس، وسيرفدان المجتمع بأبناء متميزين على معظم الصعد.
فهل نقف للحظة مع ذاتنا شباباً وفتيات ونفكر عملياً بأن الحياة الخالية من التشارك والتفاعل والتكامل لا يمكن أن تكون إلاَ كأوراق الروزنامة تتناثر يوماً بعد يوم حتى ينتهي العمر دون فائدة تذكر.