سمح الرب لأحد المسيحيين الحقيقيين الأتقياء بحادثٍ أليم, ونُقل بسرعة بسيارة الإسعاف إلى المستشفى، وهناك صارحه الأطباء بأن حالته متأخرة جدًا. وشعر هذا المسيحي الجريح بقرب وصوله لمقابلة الرب يسوع ليراه عِيانًا وجهًا لوجه.
في حجرة العناية المُركَّزة، سُمح لأسرة الأخ الجريح أن يكونوا معه لدقائق محدودة، وكان - وكأنه يرى السماء أمامه - يتلفت لكل واحد من أفراد الأسرة بابتسامة صادقة، رغم أنها باهتة بسبب النزيف والألم، وكان وكأنه يودعهم بنظراته، وفي نفس الوقت كأنه يقدم لهم الوصية الأخيرة.
ثم نادي زوجته وطلب منها أن تقترب إليه، ولما احتضنها قال لها:
- «شكرا يا زوجتي الحبيبة، كنتِ خير سند لي طوال أيام الحياة. نعم! أشهد أنك الزوجة الفاضلة حسب وصف الكتاب المقدس, أثق في اهتمامك بالأولاد. تصبحي على خير يا زوجتي الغالية»
ثم نادى ابنه الأكبر "وليم" وقَبَّلَه وقال له:
- «"وليم" إبني البكر، شكرًا لأجل أنك لست ابني فقط، بل أنت ابنٌ لله أيضا. شكرًا يا "وليم" لأجل خدمتك للرب يسوع ولإخوتك. أثق أنك ستكون عونًا لماما ولإخوتك. تصبح على خير يا "وليم"»
ثم نادى الأب ابنه الأصغر "جون" وقَبَّلَه وقال له:
- «"جون" يا حبيبي، دائمًا كنتَ سبب فرح لنا ولا سيما بعدما سلمت حياتك للرب يسوع منذ عامين. أثق أن الآب السماوي سيرعاك طوال أيام حياتك. تصبح على خير يا "جون"».
لاحظ "بيتر" الابن الأوسط أن "بابا" تعدَّاه، وتحدث مع "جون" الصغير بعدما تحدث مع "وليم" الكبير. فأخذ قلبه ينبض بسرعة واحمرَّ وجهُهُ تأثُّرًا. وبعدما انتهى "بابا" من الحديث مع "جون"، نادى "بيتر". وبينما هو يُقَبِّله انفجر الأب الجريح في بكاء شديد مُرّ وهو يمسك بيد "بيتر" ويقول له:
- «الوداع .. الوداع يا "بيتر"، الوداع يا "بيتر".
انفجر "بيتر" في البكاء، وسالت دموعه كالأنهار وهو ينهار. وسأل "بابا" في احتيار:
- «لماذا؟ لماذا أنا بالذات؟ لماذا قلت لماما و"وليم" و"جون": تصبحوا على خير، وقلت لي: الوداع، رغم أنني أعلم أنك تحبني أيضًا، وأجهش "بيتر" في البكاء مرة أخرى.
تمالك الأب - الذي كانت حالته تتأخر - نفسه، وبشق الأنفس قال "لبيتر":
- «يا بيتر يا حبيبي، بالنسبة لماما و"وليم" و"جون" سوف أراهم في السماء قريبا لأنهم أعطوا حياتهم للمسيح، وتغسَّلوا بدماه، وغُفرت خطاياهم، واسماؤهم كُتبت في سفر الحياة، أما انت يا إبني فما زلت في خطاياك، ولم تُسلِّم قلبك للرب يسوع، لهذا فلن أراك في السماء، وهذه آخر مرة أراك فيها يا "بيتر" يا إبني. الوداع يا "بيتر"!!
صرخ "بيتر" في حجرة العناية المركزة وقال "لبابا":
- «"بابا"، انتظرني يا "بابا"»
ثم ركع بجوار سرير الأب، وبصوت مرتفع أمام الجميع صلى "بيتر" قائلا:
- «يا رب يسوع، الآن أتوب وأترك جميع خطاياي الآن عند صليبك، أقبلك مخلصًا وفاديًا. ارحمني وخلصني واضمن لي مكانًا في السماء مع بابا وماما و"وليم" و"جون"»
كانت صلاة "بيتر" صادقة، شعر بها الكل. وعندها ابتسم الأب ابتسامة عريضة جدًا وهو يحتضن "بيتر" قائلا:
- «تصبح على خير يا "بيتر" يا حبيبي»، ثم أغمض عينيه في سلام وقال:
- «الآن أستطيع أن أقول: {وَأَمَّا أَنَا وَبَيْتِي فَنَعْبُدُ الرَّبَّ} (يشوع24: 15) الآن حقق لي الرب الوعد الذي انتظرته طويلا, {آمِنْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَتَخْلُصَ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ} (أعمال16: 31).
صديقي القاريء .. صديقتي القارئة، لقد كان فكر الله منذ القديم أن تكون الأسرة والعائلة كلها تعبده معًا من أيام آدم وحواء أبوينا، حيث كان الله يأتي كل يوم في الصباح لأول أسرة في التاريخ، كما هو مكتوب: {وَسَمِعَا صَوْتَ الرَّبِّ الإِلَهِ مَاشِيًا فِي الْجَنَّةِ عِنْدَ هُبُوبِ رِيحِ النَّهَارِ، فَاخْتَبَأَ آدَمُ وَامْرَأَتُهُ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ الإِلَهِ فِي وَسَطِ شَجَرِ الْجَنَّةِ} (تكوين3: 8)
وعندما صنع الله خلاصًا للأبكار بواسطة ذبيحة الفصح كانت الوصية: {وَيَكُونُ لَكُمُ الدَّمُ عَلاَمَةً عَلَى الْبُيُوتِ الَّتِي أَنْتُمْ فِيهَا فَأَرَى الدَّمَ وَأَعْبُرُ عَنْكُمْ فَلاَ يَكُونُ عَلَيْكُمْ ضَرْبَةٌ لِلْهَلاَكِ حِينَ أَضْرِبُ أَرْضَ مِصْرَ} (خروج12: 13). لاحظ أنه كان دم الفصح يوضع على البيت. ومكتوب: {صَوْتُ تَرَنُّمٍ وَخَلاَصٍ فِي خِيَامِ الصِّدِّيقِينَ} (مزمور118: 15)
ما أحلى أن يكون كل أفراد الأسرة مسيحيين حقيقين؛ ففي العهد الجديد يُذكر أن بعض البيوت كانت فيها كنيسة - يا للبركة والروعة - كبيت فليمون, {إِلَى فِلِيمُونَ الْمَحْبُوبِ وَالْعَامِلِ مَعَنَا، وَإِلَى أَبْفِيَّةَ الْمَحْبُوبَةِ، وَأَرْخِبُّسَ الْمُتَجَنِّدِ مَعَنَا، وَإِلَى الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي بَيْتِكَ} (فليمون1و2)، وبيت أكيلا وبرسكيلا: {سَلِّمُوا عَلَى بِرِيسْكِلاَّ وَأَكِيلاَ الْعَامِلَيْنِ مَعِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ اللَّذَيْنِ وَضَعَا عُنُقَيْهِمَا مِنْ أَجْلِ حَيَاتِي اللَّذَيْنِ لَسْتُ أَنَا وَحْدِي أَشْكُرُهُمَا بَلْ أَيْضًا جَمِيعُ كَنَائِسِ الأُمَمِ وَعَلَى الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي بَيْتِهِمَا} (رومية16: 4) وبيت نِمْفَاسَ: {سَلِّمُوا عَلَى الإِخْوَةِ الَّذِينَ فِي لاَوُدِكِيَّةَ، وَعَلَى نِمْفَاسَ وَعَلَى الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي بَيْتِهِ} (كولوسي4: 15). الرب يسوع يهمه لا خلاص الأفراد فقط بل أيضا خلاص كل أهل البيت، كما قال في بيت زكا: {فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «ﭐلْيَوْمَ حَصَلَ خَلاَصٌ لِهَذَا الْبَيْتِ إِذْ هُوَ أَيْضًا ابْنُ إِبْرَاهِيمَ لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يَطْلُبَ وَيُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ»} (لوقا19: 9).
صديقي .. صديقتي، هل تصلي بإيمان باستمرار لأجل أفراد أسرتك، أن يكونوا بالكامل للمسيح مثل هذا الأب التقي. أكيد أنهم سيأتون للمسيح في يوم من الأيام، وإن كنت نظير "بيتر" قبل أن يرجع للرب، أدعوك أن تعطيَ قلبك للرب اليوم فتسمع عبارة: «تصبح على خير»!
فالحياة مع المسيح دائما نور وصباح، لأنه قال: {«أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ»} (يوحنا8: 12).
وهو الذي ينير الحياة والخلود: {مُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي أَبْطَلَ الْمَوْتَ وَأَنَارَ الْحَيَاةَ والْخُلُودَ بِوَاسِطَةِ الإِنْجِيلِ} (2تيموثاوس1: 10).
وتهتف مع داود قديما:{إِنَّمَا خَيْرٌ وَرَحْمَةٌ يَتْبَعَانِنِي كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِي وَأَسْكُنُ فِي بَيْتِ الرَّبِّ إِلَى مَدَى الأَيَّامِ} (مزمور23: 7) فهل تصلي معي الآن؟
صلاة:
يا ربي يسوع إني عبد للخطايا أسير
أعيش في الظلام مع إبليس الشريرنورني وغيرني أيها القدير .. أريد أن أسمع منك تصبح على خير,
آمين