الحياة بخار والكتاب الجبار
قبل معركة "كرميا" الشهيرة في فرنسا، أخذ خادم إنجيل تصريحًا من القائد العسكري الأعلى بأن يوزع الإنجيل على الجنود الذين كانوا في "طولون" يستعدون للابحار في ميدان المعركة. وكانوا يستمعون لبشارة الإنجيل الحلوة عن تجسد المسيح وعن صليبه، وكيف كان بموته الكفاري البديل والحامل لخطية كل إنسان يقبله، وعن قيامة المسيح المجيدة.
كان البعض في تأثر شديد، والبعض كان يهزأ، وعندما أعلن الخادم لمن يريد أن يحصل على الإنجيل بثمن رمزي بشرط أن يقرأ فيه, تقدم عدد كبير من الجنود وحصلوا على الإنجيل، وتقدم جندي وقال لخادم الإنجيل:
- «ولكن أنا ليس لدي نقود». رد الخادم:
- «هذه ليست مشكلة، لو كنت مشتاقًا أن تقرأ الإنجيل فسأعطيه لك مجانا».
ومد يده وأعطاه الإنجيل هدية، وبعدما أخذ الجندي الإنجيل ظل يضحك ضحكات ساخرة ويقهقه بأعلى صوته قائلا لخادم الإنجيل:
- «لقد استطعت أن أخدعك، فليست لدي أية رغبة لقراءة الكتاب، ولكني سأستفيد منه بأن أصنع سيجارتي المفضلة وسألف التبغ في هذا الورق الفاخر». فأجابه الخادم بجدية وتحذير:
- «عزيزي لا تستهتر بكلمة الله، فمكتوب في هذا الكتاب في (عب10: 31) {مخيف هو الوقوع في يدي الله الحي}. من فضلك إما تتعهد أن تقرأ هذا الكتاب وأما أن ترده لي لأعطيه لجندي آخر يقرؤه ويستفيد منه.
استمر الجندي المستهتر يضحك بطريقة تبدو هستيرية وهو يشير لخادم الإنجيل ويقول:
- «بالطبع لن أعطيه لك، أولا لأني سأصنع منه سجائري، ثانيًا حتى لا تفقد أنت نزاهتك فهذه أول مرة في حياتي أرى خادم إنجيل يغير كلامه». رد الخادم:
- «ولكنك أنت الذي غيرت كلامك». أجابه الجندي:
- «هذا شأني، أنا لن أعطيه لك» ومضي وهو يضحك ويسخر، ليجهز حقيبة السفر إلى ميدان المعركة.
صلى خادم الإنجيل لأجل هذا الجندي ليستخدم الرب هذا الإنجيل بركة له. مر على هذا الموقف 15 شهرًا وكان نفس الخادم يزور إحدى القرى بفرنسا ولاحظ جنازة كبيرة وأمًا ثكلى تتقبل العزاء، ولما سأل عرف أن ابنها مات ودُفن في ظهيرة هذا اليوم. تقدم إليها ليعزيها بكلمات يقرؤها من إنجيله, وكانت مفاجأة للأم الحزينة عندما أخرج الخادم الإنجيل وبدأ يقرأ منه، وفي اندهاشها قاطعته وقالت له:
- «أرجوك انتظرني لحظة واحدة». ثم دخلت بيتها ورجعت وفي يديها إنجيلاً يشبه تمامًا الإنجيل الذي كان يمسكه الخادم؛ نفس اللون والحجم، وواضح أنه من ذات الطبعة، ولكن هناك جزءً مقطوعًا منه. وقدمت الأم الإنجيل للخادم وقالت:
- «إن هذا الكتاب يشبه تمامًا الكتاب الذي تقرأ فيه»
ولما أخذ الخادم الكتاب من الأم، كان الجزء الباقي من الكتاب قد وُضعت تحت الكثير من آياته خطوطًا، وكان واضحًا أنه تمت دراسته جيدًا، وقد تأكد الخادم أن هذا الكتاب هو الذي أعطاه في "طولون" للجندي الذي قال أنه سيصنع من أوراقه لفافات سجائر، ليس فقط بسبب الجزء المقطوع من الكتاب، ولكنه وجد على غلافه الداخلي مكتوب: «حصلت على هذا الكتاب في طولون عام 1855 قبل معركة "كرميا" مباشرة، ولقد أخذت هذا الكتاب في البداية بسخرية واحتقار، وفي شري وخطاياي أخذته كذبًا من خادم الإنجيل مجانًا، ولقد صنعت منه أوراق لفائف التبغ التي دخنتها، حتى غير الله قلبي من خلال الجزء الباقي من هذا الإنجيل. الامضاء "س. ل. فيوسيلر"».
تعجب المبشر وقال:
- «إنه بكل تأكيد هو الكتاب الذي أعطيته لابنك في "طولون"، وكما كتب في مذكراته لم يكن يرغب في البداية في قراءته .. فقاطعته الأم قائلة:
- «ولكنك قلت له: مخيف هو الوقوع في يدي الله الحي». سألها المبشر باندهاش:
- «وكيف عرفتِ هذا؟». أجابته:
- «لقد حكي لي ابني كل شيء قبل أن يموت، وفي بداية المعركة الحاسمة كان صدى كلماتك ما زال يتردد في أعماقه، وكم كان عذاب ضميره شديدًا لأنه استخدم جزءً من الكتاب المقدس ليدخن سجائره، وارتعب طوال الليل ولم يذق النوم لحظة، ولا سيما أن عددًا كبيرًا من زملائه كانوا قد ماتوا، وبعد ذلك جُرح هو أيضا ونُقل للمستشفى وهو فاقد الوعي وسُمح لي بزيارته، ولما عاد إلى وعيه طلب مني أن أُحضر له الإنجيل - أو بالأحرى الجزء الباقي من الإنجيل - من حقيبته، وحكى لي القصة وقال لي أن الخوف الذي لاحقه منذ أن صنع سجائره من ورق الإنجيل لم يفارقه لحظة، ولكن في الليلة التي لم ينم فيها قرأ في الجزء الباقي من الإنجيل الآية التي تقول أن {دم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية} (1يو1: 7) واعترف بخطاياه. وقرأ الجزء الباقي من الإنجيل أكثر من مرة. وعندما جاء هنا الى القرية منذ حوالي 6 اسابيع كانت حالته خطيرة جدًا، وبالرغم من ذلك كان الفرح يملأ كِيانه ويشع من وجهه. كان دائما يعظنا من الجزء الباقي من الإنجيل. وأقول لك بكل صدق ربما لا يوجد فرد واحد من أفراد قريتنا لم يسمع بشارة الإنجيل من ابني من خلال الجزء الباقي من الإنجيل، والبعض منهم قد تغير ت حياته فعلاً بسبب شهادة ابني الذي سافر اليوم للسماء».
أجابها الخادم والتأثر يغمره:
- «نعم بكل تأكيد ابنك الآن في السماء مع المسيح، فما أعظم كلمة الله التي وحدها تخبرنا عن الطريق للسماء، ولكني أريد أن أسالك: هل ستتقابلين مع ابنك في السماء في يوم من الأيام؟»
صمتت الأم والدموع تغمر عينيها وقالت:
- «أتمنى ولكني لست جاهزة لذلك»
وبعدما حدثها الخادم عن المسيح والصليب، قبلت الأم المسيح مخلصًا وفاديًا. واندلعت نيران النهضة في هذه القرية.