منذ سنين مضت، كان التلغراف أسرع وسيلة معروفة للاتصال للمسافات البعيدة ، ومع تزايد إستخدامه، وضعت إحدى الشركات إعلان في الجريدة، تبحث فيه عن موظف ليعمل على جهاز، لنقل التلغرافات، بموجب الإشارات المعروفة Morris Code. تقدم شاب صغير السن، لهذا العمل، بناء على الإعلان الذي وضعته هذه الشركة فى الجريدة . ذهب هذا الشاب الى العنوان المذكور، وعندما وصل إليه، دخل، فوجد مكتبا كبيرا مملؤاً بالضجيج والصخب، ومن ضمنها صوت التلغراف في الخلفية. لدى دخول هذا الشاب وجد إعلانا يقول: بأن على المتقدمين للوظيفة ملء الاستمارة الخاصة بالوظيفة، ثم الانتظار حتى يُطلب منهم الدخول الى المكتب الداخلي لإجراء المقابلة.
ملأ الشاب الصغير الاستمارة وجلس مع المتقدمين السبعة الآخرين للوظيفة في مكان الانتظار، لكن، وبعد دقائق إذا بالشاب يقف ثم يعبر الغرفة، وإذ به يدخل المكتب الداخلي. ومن الطبيعي انتبه المتقدمين الآخرين لما حصل، متسائلين عما يحدث؟ . ثم تمتموا فيما بينهم قائلين أنهم بالتأكيد لم يسمعوا أحدا يستدعيهم ، وافترضوا أن الشاب الصغير بدخوله المكتب الداخلي بهذه الطريقة قد ارتكب خطأ جسيما سيرفض بسببه من الوظيفة.
لم يمض الكثير من الوقت، حتى خرج هذا الشاب من المكتب الداخلي، مبتسما وبرفقة الموظف المسؤول عن التوظيف، ثم خاطب المسؤول باقي المتقدمين للوظيفة المنتظرين فى مكان الانتظار وقال لهم : "شكرا أيها السادة من أجل مجيئكم ولكن الوظيفة قد شُغلت حالاً "
تذمر باقى المتقدمين للوظيفة فيما بينهم، ثم تكلم واحد منهم مع المسؤول وقال " من فضلك يا سيدي ، أنا لا أستطيع أن أفهم . أن هذا الشاب هو آخر من جاء الى هنا . ونحن لم يتقابل معنا أحد ولم نأخذ فرصة حتى لاختبارنا. ومع ذلك أخذ هو الوظيفة، وهذا غير عادل " .
أجاب الموظف " أنا آسف يا سادة ، ولكن طيلة الوقت وأنتم جالسين هنا ، فإن التلغراف يتكتك رسالة متكررة بإشارات موريس تقول :إذا كنت تفهم هذه الرسالة ، تقدم للداخل والوظيفة لك ... إذا كنت تفهم هذه الرسالة ، تقدم للداخل والوظيفة لك... والمؤسف، هو بأنه لم يسمع أحدا منكم تلك الرسالة أو فهمها، ولكن هذا الشاب عندما أتى، فهم الرسالة وجاء للداخل، فصارت الوظيفة له".
نحن نعيش فى عالم مزدحم مملوء بالضجيج مثل هذا المكتب، فإن الناس أصبحوا حيارى ولم يعودوا يستطيعون أن يسمعوا صوت الله الرقيق الهادئ ، إنه يتكلم فى الخليقة، إذ قدرته السرمدية معلنة بالمصنوعات، يتكلم فى الأسفار المقدسة، تكلم الينا عندما أرسل إبنه الوحيد ليعلن لنا محبته، يتكلم الينا في عنايته وبركاته علينا... فهل التفت لصوت الله عندما كلمك؟ ، وهل أنت مصغ له ؟ وهو يقول لك "هذا هو إبنى الحبيب .. له اسمعوا."
قطرة ندى، يقول الفيلسوف الفرنسي فرنسوا مورياك :" إذا كانت الطبيعة قد وهبتنا لسانًا واحدًا وأذنين فلكي تعلمنا أنه ينبغي أن نصغي ضعف ما نسمع ".