من يتابع عبر التاريخ يجد قصصاً لقادة وأفراداً لم يستطيعوا ضبط أنفسهم وسلوكهم للدرجة أنهم دفعوا حياتهم ثمن نزوات وأفعال بسيطة. على سبيل المثال ماذا كان يحتاج رجل الأعمال المصري الذي تورط في جريمة قتل ممثله سواء كان له دوراً أم لا، لكننا نرى التصرفات الصبيانية التي كان يقوم بها والتي جعلته يدفع حياته وسمعته في الضياع وبعد أن كان من رجال الأعمال المحترمين نراه على كل صفحات الجرائد والميديا بشكل سلبي وليس إيجابي فما السبب في ذلك؟ ..هل هي أزمة منتصف العمر التي تصيب الرجل في مرحلة عمرية معينة؟ .. وماهي أسبابها؟ .. في خلال السطور القادمة سوف أحاول أن أعرض أسباب الأزمة ومظاهرها وكيفية العلاج، مع التأكيد في البداية أن المراهقة المتأخرة هي سلوك نفسي يتحول إلى سلوك فعلي.
أسباب الأزمة:
السبب الأول هو الفراغ الروحي: وما أقصده هنا هو العلاقة والمبدأ، بمعنى أن العلاقة الفاترة وغير المنتظمة تنتج حالة من الفراغ الداخلي التي يحاول الفرد أن يملأه.
والمبدأ هنا هو محاولة التركيز على وجود قناعات الفرد حتى في حالة الفراغ الروحي، حيث يكون لدى الفرد مبادئ تحكمه، والشخص الذي لم يكّون مبادئ أو قيم ثابتة في حياته ويمر في هذه المرحلة معرض أكثر للسقوط في هذه الأزمة. حيث عندما يفقد الفرد وجود العلاقة والقيمة والمبدأ تبدأ عناصر أخري في التأثير على نمط سلوك الفرد. السبب الثاني التكوين النفسي والعقلي : نجد جزء هام يؤثر على استقرار الفرد، هو كيف تربي وكيف نشئ، فالتربية التي تمت تحت ضغوط طائلة تنتج نفسية هشة تعتمد على القيادة من الخارج. وفقد الثقة في النفس يحول الإنسان إلى شلال من المياه المندفعة والتي تخرج من أضعف نقطة .. فالبعض يكون نقطة ضعفه في الجنس أو الشراهة في كسب المال أو البحث عن السلطة لإثبات الذات أو البحث عن هوية داخل الجماعة، وبالرغم من عدم التوازن الداخلي الذي يعيش فيه، إلا أن الكثير من الأعمال التي يقوم بها هي تغطية على عدم التوازن الداخلي لديه.
فإذا قبلنا أن التكوين النفسي والعقلي والروحي هما عماد انتظام الشخصية السوية، فإن أي خلل في أي عنصر يجعل الفرد رهن للظروف الخارجية للسلوك الغير متزن.
السبب الثالث الفراغ العاطفي الذي يعيش فيه الفرد: الفراغ العاطفي هو فكرة تملأ العقل، بأن هناك نقص ما يريد إشباعه وربما من أسباب الفراغ العاطفي هو روتينية الحياة العائلية وعدم التفاهم بين الزوجين واستقلال كل فرد عن الأخر، وربما يكون غلاظه الطرف الآخر كالمرأة المسترجلة أو التي تريد أن تمتلك زوجها وتضعه تحت قيود من المراقبة والمحاسبة على كل كبيرة وصغيرة وكأنه طفل آخر بالمنزل عليه أن يخضع لها، وربما يكون إهمال الزوجة لنفسها ومسئوليتها تجاه زوجها وأيضا إهمال الزوج لزوجته والتجاهل التام لها بالرغم من اهتمامه بالآخرين بشكل ملحوظ. وقد لوحظ في بعض حالات الفراغ العاطفي أنها نتجت بسبب ضغوط الحياة المتعددة والمعقدة والتي تتمثل في الأزمات في العمل والقهر الذي يتعرض له، والبعض من الخسارة المادية غير المتوقعه مثلما حدث في البورصة العامية مع ضغوط خاصة بالأسرة من أحداث مأسوية.
وآخرون يحاولون أعادة ما ضاع منهم، ولاسيما في مجالات العلاقات العاطفية بدايةً في قبول التعبيرات التي تظهر جمال الشكل كنوع من الإخراج العاطفي إلى أن تصل إلى مستويات من العلاقات الحرجة.
أعراض الأزمة:
هل هناك ظواهر يمكن للفرد أن يراقب نفسه فيها، فيعرف أنه في هذه المشكلة وعليه أن يتعامل معها:
أولاً: الاهتمام بالجنس الآخر بشكل مبالغ فيه سواء من حيث الوقت الممنوح له أو وقت التفكير فيه، وأيضا الاهتمام بالمظهر الخارجي لجذب الانتباه ولفت الأنظار إليه بالرغم من أن الشخص في سن يكون لفت الأنظار إليه بحياته الحقيقة وانجازاته.
ثانياً: على مستوى الأسرة يزداد الإهمال والترك بالمشغولية الخارجية الكثيرة وعدم القدرة على التركيز مع شريك الحياة، ثم يتحول بشكل طبيعي وعادي إلي اقتفاء الأخطاء والتركيز عليها وإظهار الشريك الأخر بأنه مقصر وغير مهتم ولا يبالي باحتياجاته ومشاعره.
ثالثاً: بالنسبة إلى دائرة العمل لهذا الشخص، نرى العشوائية والتخبط وعدم القدرة على تحقيق إنجازات ضخمة، والأخطر هو ظهور المراهق القديم والذي يتمثل في سيطرة المشاعر على التفكير، وبالتالي نجده مرة سعيد ومرة أخرى مكتئب، فنجد السلوك العاطفي في المواقف المختلفة وليس العقل هو المسيطر على سلوك وقرارات الفرد.
رابعاً: الإتجاه إلى الوحدة والإنطواء أمام أي موقف فيهرب من وسط الجماعة لأنه غير قادر على مواجهة المواقف المختلفة.
من خلال هذه الظواهر نجد أن المخاطر التي يتعرض لها الإنسان الذي يمر في تلك الأزمة هي بكل المقاييس خطيرة جداً، لأن رأس مال الإنسان هو سمعته.
ما هو العلاج:
1. مواجهة الحقيقة: وهي إدراك الفرد بأنه يعبر فيها أو سيدخل فيها (المراهقة المتأخرة)، وعلى الفرد أن يتعامل مع الحقيقة الفسيولوجية لا بنوع من التجاهل أو أنه أكبر من أن يكون هذا الشخص.
2. التأكيد بحقيقة المرحلة والإعداد لها:
a. الإعداد الروحي والمتمثل في الشبع بكلمة الله والإنتظام اليومي في قراءة الكتاب المقدس.
b. التدقيق في كل كلمة وفعل ونظرة يقوم بها ويفحص نفسه أمام الله كل يوم.
3. البناء العقلي: من الضروري أن يضع الفرد ما يسمى بالأساسيات أو المبادئ أو وجود خط أحمر في حياته، بمعنى أنه مهما كانت الأسباب الداخلية أو الخارجية لا يقدر أن يتعدها، فالمهم وجود مبادئ وأسس راسخة لا يمكن ولا يجوز التنازل عنها.
4. تنمية العقل: من المهم أن يربي الفرد نفسه على إيجاد بديل عن الجسد والعاطفة وذلك بالعمل على تنمية العقل من خلال:
a. القراءة الدائمة والإطلاع المتعدد الجوانب (ثقافة الفرد) لكي يكون العقل منشغل بقضايا عامة وخاصة.
b. خطة واضحة لتطوير أداء العمل الذي يقوم به، بشكل محدد وواضح.
5. تنظيم الوقت وإدارته:
a. وضع خطة لأهداف اليوم وجدول للعمل التي يمكن القيام بها في اليوم مع عمل تقييم يومي لما تم إنجازه وما لم يتم .. مع وضع الأسباب وهل له علاقة بالموضوع الذي نناقشه أم لا.
b. التعامل بدقة مع الأحداث الخارجية ولا سيما الذين يؤثروا تأثيراً سلبياً على إدارة الوقت وخاصة في مجال العواطف وتنمية العقل والقدرة على انجاز الأهداف التي تساعدني على تحقيق ذاتي بشكل مباشر.
6. التركيز مع الأسرة:
a. الوحدة مع الأسرة، هو أهم وقت يتحد فيه الشخص بالأسرة سواء كان متفق معها في السنوات السابقة أو لا، المهم الاحتماء في الأسرة للحماية والتعبير بكل مشاعر ايجابية لشريك الحياة.
b. تحديد وقت يومي وأسبوعي للتواجد مع الأسرة والمشاركة بفاعلية معهم.
c. معالجة القصور الموجود في شخصية الأخر بوعي وبحكمة.
7. المعالجة النفسية:
a. التركيز على مواجة النفس وتحليل السلوك الشخصي عن الدوافع للأفكار والكلمات والأفعال التي يقوم بها.
b. في بعض الحالات يحتاج الفرد مواجهة نفسه والذهاب إلى طبيب نفسي للمشورة والفهم والتحليل لما يحدث في حياته وعدم قدرته على ضبط سلوكه المراهق للدرجة التي فيها يسبب إزعاج للمحيطين به.