ا
لنوع الثاني: الشراهة أو النهم في الأكل
ويعرف بالشره العصبي وهو ما يعرف بالبوليميا Bulimia وهو الإفراط الشديد في الأكل وتناول كمية أكثر مما يأكله الشخص العادي أم معظم الناس، وهو أيضاً منتشر بين المراهقين وشائع في الإناث أكثر من الذكور، وغالباً ما يكون لديهم نقص في السيطرة علي تناول الطعام أو التحكم في كمية الطعام التي يلتهمونها. وفي الأغلب يكون الطعام عالي القيمة الغذائية والسعرات الحرارية مما يزيد من وزن المراهقة فيجعلها تلجأ لعمل ريجيم واستخدام الملينات والمسهلات وأحياناً الحقن الشرجية أو التقيؤ المفتعل، وقد ينتهي الأمر بالألم في البطن. ويصاحب النهم في الأكل الشعور بالذنب وتأنيب النفس (الاكتئاب) علي ما تناولته المراهقة من طعام، وقد تستخدم سلوكاً تعويضياً كالصيام (ليس بدافع ديني) أو التمرينات الرياضية الزائدة. ومن الأمثلة المشهورة لهذا النوع من المرض الأميرة ديانا سبنسر أميرة مقاطعة ويلز بإنجلترا.
ومن الغريب أن من يعانون من هذا النوع من الاضطرابات يصفون أنفسهم بأنهم أكثر سمنة وبدانة وذلك علي عكس الواقع، والفرق بين فقدان الشهية والشره في الأكل هو أن أصحاب النوع الأول في حاجة لزيادة أوزانهم وهذا يتطلب علاجاً طويلاً إذا ما لجأ المراهقون إلي الطبيب، بينما أصحاب النهم أو الشره في الأكل ليسوا في حاجة إلي زيادة الوزن إذ هم يحتفظون بالمعدل العادي للوزن، لذلك فإن علاج هذا النوع أيسر من علاج فقدان الشهية.
التأثيرات النفسية المرتبطة بالشره:
من أخطر التأثيرات المرتبطة بالشره العصبي الاكتئاب بالإضافة للقلق والفوبيا الاجتماعية ونوبات الهلع. كما وجد أن هناك علاقة بين الشره في الأكل وبين تعاطي الخمور. ففي اليابان وجد أن أغلب مدمنى الخمر يعانون من اضطراب الأكل وخاصة الشره في الأكل، كما وجد أن كثرة استخدام الملينات والمسهلات والتقيؤ المفتعل يؤثر بشكل واضح علي تضخم الغدد اللعابية وفقدان الجسم للمعادن المهمة مثل البوتاسيوم والصوديوم والكالسيوم، مما يؤدي إلي حدوث فشل كلوي وعدم انتظام في ضربات القلب ومشاكل في القولون بسبب الإسهال المتكرر.
- أسباب اضطراب الأكل:
تبين الأبحاث والدراسات التي قامت بها جامعة أكسفورد أن ضغوط مرحلة المراهقة تلعب دوراً في إحداث هذا النوع من الاضطراب. فمرحلة المراهقة هي الفترة التي تعاني فيها الفتيات من انخفاض تقديرهن لذواتهن، وهن أكثر عرضة للاضطراب العاطفي عن المراهقين الذكور. لذلك فإن المراهقات أكثر انشغلاً بمظهرهن وبصورة الذات عن جسمهن، وقد ظهر الاضطراب أكثر في الفتيات التي تركز أسرهن علي أهمية المظهر الخارجي وشكل ووزن الجسم، كما تتعرض هؤلاء الفتيات للنقد اللاذع والسخرية من أوزانهن بسبب الوزن الزائد.
وقد يرجع اضطراب الأكل إلي سوء التربية في مرحلة الطفولة والتي فيها يصر الوالدان علي إجبار الطفل علي تناول الطعام حينما يرفض الأكل، فيفقد الطفل قدرته علي تنظيم طعامه كما يفقد القدرة علي تناول الأكل حينما يشعر بالجوع، وإنما يكون طلبه للأكل بناء علي رغبة والديه حينما يريدان أن يطعماه، إذ يلبي الطفل مطالب والديه وليس احتياجه الفعلي للطعام.
كما قامت دراسة علي مجموعة من المراهقات يعانين من فقدان الشهية فوجد أنهن يتميزن بأداء عال في الدراسة ويحاولن الوصول إلي الكمال إلا أن لديهن تقديراً منخفضاً عن أنفسهن.
كما أثبتت الدراسة أيضاً أنهن تربوا في أسر ذات علاقات ضعيفة هشة وتتصف تلك الأسر بالحماية الزائدة والتسلط والاستبدادية وعدم إتاحة الفرصة للمراهقين لاتخاذ قراراتهم بأنفسهم.
كما ثبت من دراسة هؤلاء المراهقات أنهن متورطات في الصراعات الوالدية، فهن ينحزن مع أحد الوالدين دون الآخر. وهكذا تلعب العلاقات الأسرية دوراً خطيراً في ظهور اضطرابات الأكل وخاصة بالنسبة للفتيات اللاتي تتعرضن للنقد الزائد من أمهاتهن، أو تكون الأم ضعيفة الثقة بنفسها ولديها تقدير ضعيف لهويتها الأنثوية، لذلك فهي تخشى المنافسة مع ابنتها خاصة لأنها تشعر بكبر سنها. كما ثبت أيضاً أن آباء هؤلاء المراهقات يعانون من الوساوس القهرية ويشاركون بناتهم في أساليب النظام الغذائي القاسي وغير الصحي.
وللعوامل الثقافية دور أساسي في تعظم ظاهرة اضطراب الأكل، إذ أن المجتمع قد اختزل قيمة المرأة في شكلها وجسدها وأصبح الجمال هو المحور الأساسي للأنوثة الكاملة، وأصبحت الجاذبية الجسمية تلعب دوراً رئيسياً في نظر الفتاة بقيمتها الذاتية مما خلق صراعاً عنيفاً لدي الفتيات وهو المحافظة علي رشاقة الجسم وفي الآن نفسه الاستمتاع بالأكل والشرب خاصة في المناسبات والحفلات.
- علاج اضطرابات الأكل:
حيث ارتبط كل من فقدان الشهية والشره بالاكتئاب لذا فإن بداية العلاج هى استخدام مضادات الاكتئاب بالإضافة لاتباع نظام غذائي صارم بالنسبة لمرضى فقدان الشهية، وقد يتطلب الأمر التغذية بالقسطرة، وقد يقضي الأمر إلي دخول المراهقين المستشفى في حالة ما إذا وصل نقص الوزن إلي حالة خطيرة.
إلا أن العلاج بالتغذية الجيدة ومضادات الاكتئاب لا يكفي بل يستلزم الأمر تغيير الظروف الأسرية وتحسين أساليب التعامل والتواصل بين أفراد الأسرة، فالخلافات الأسرية وروح التسلط والسخرية والتركيز علي شكل ووزن الجسم وإقحام الأبناء في الصراعات الوالدية، كل هذه الأسباب تحول دون مساعدة المراهقين علي اجتياز اضطرابات الأكل. وبالإضافة إلي ما سبق فإن العلاج المعرفي يلعب دوراً أساسياً وذلك مثل تغيير نظرة الفتاة لنفسها وتقديرها لقيمتها الذاتية، إذ أن القيمة الذاتية لها لا تتوقف علي شكل ووزن الجسم بل تتوقف علي المهارات التي تكتسبها والأكثر فاعلية في مواجهة ضغوط الحياة. كما أن العلاج المعرفي يساعد المراهقات علي قبول أنفسهن بشكل أفضل وقبول أجسامهن وأوزانهن.
هذا بالإضافة لتوعيتهن بخطورة أساليب الرجيم والأنظمة الغذائية غير الصحية. كما أن هناك بعض المعالجين يفضلون تشجيع المراهقين علي ترك أسرهم التي تعاني من الصراعات والخلافات والالتحاق بالجامعة أو بالعمل حتى يمكنهم استعادة صحتهم الجسمية والنفسية.
وأخيراً فإن أجسادنا هي ملك لمن وهبها لنا، إذ يوصي الوحي في الكتاب المقدس بالحفاظ علي أجسادنا:
"ألستم تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء المسيح.. أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل الروح القدس الذي فيكم والذي لكم من الله وأنكم لستم لأنفسكم.. فمجدوا الله في أجسادكم" (1كو6: 19- 20)