مشيئة الله"كل الأشياء تعمل معاً للخير، للذين يحبون الله"
(رو28:8)
شعر بولس الرسول، الذي عرف عمق الأسرار السماوية وصعد إلى السماء الثالثة، بالاندهاش عندما تحدث عن مشيئة الله وأحكامه، كمن ينظر إلى الهاوية، وانذهل عندما حاول البحث عن عمق معرفة مشيئة الله وحكمته. وعند انذهاله توقف فورا عن البحث وقال: "يا لعمق غنى الله وحكمته وعلمه. ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء لأن من عرف فكر الرب أو من صار له مشيراً"(رومية33:11-34)ِ
فإذا كان بولس الرسول قد واجه مشيئة الله بهذه الطريقة فلماذا نتعب عبثاً محاولين أن نفسر ما لا يفسر، وأن ندرك ما لا يُدرك؟، ولنتذكر في حيرتنا هذه ونقول ما قاله صاحبُ المزامير: "أحكامك لجّة عظيمة" (مز6:35)ِ
يقول أيضاً داود النبي: "أحمدك من أجل أني قد امتزت عجباً (مز14:139) (وفق ترجمة عرمان: "فأنا أحمدك لأنك رهيب وعجيب في إبداعك") ماذا تعني كلمة"عجباً"؟ نحن البشر هناك أمور كثيرة تثير إعجابنا كالأعمدة المزخرفة، أو لوحة رسم جميلة، أو أجسام نضرة. وتعجُّبُنا هذا لا يترافق مع الخوف. ولكن عندما نرى البحار الواسعة نتعجب من لجتها العميقة، ومجرد أن نفكر بعمقها يمتلكنا الخوف. خوفٌ مشابه تملّك النبي عندما فكر أن ينظر حكمة الله الغير المدركة والمطلقة فأصيب بالدوار والدَّهَش وارتعب وعاد إلى الخلف صارخاً: "أحمدك من أجل أني قد امتزت عجباً" (مز14:139). وفكر بذاته وقال: "عجيبة هذه المعرفة، فوقي ارتفعت، لا أستطيعها" (مز6:139) (وفق ترجمة عرمان: "معرفتك عجيبة جداً تفوق طاقتي وفي غاية الصعوبة فلا أستطيع إدراكها")ِ
يرتب الله للنفوس المؤمنة بأن تأخذ الأمور السيئة نهاية محمودة. لنأخذ أمثلة من الكتاب المقدس
قصة يوسف، قصة يعقوب، قصة موسى و هارون، الفتية الثلاث، اضطهاد المسيحين
_تدخُّل الله في الوقت المناسب
لن أغفل عن ذكر حكمة أخرى تربوية لله: لا يتدّخل الله مباشرة عندما نتعرض لتجارب أو مصاعب، بل يتركنا لنجاهد قليلاً ثم يقوم بإعجوبته. لماذا يفعل ذلك؟ حتى يحمينا من نكران المعروف. لأننا نحن البشر عادة عندما تعبر الأحزان، ننسى مرارتها وننسى الله الذي خلصنا منها. ومرات كثيرة نظن أننا بقوتنا تجاوزناها. لذلك يسمح الله بالبداية أن تأتينا التجارب ثم يأتي ويخلصنا منها.ِ
على سبيل المثال، عندما هدد الفلسطينيون بني إسرائيل وأخافهم جلعاد، أراد الله أن يدخل داوود بالمعركة وينتصر ولكن لم يطبق مخططه فوراً. انتظر أن يمضي أربعون يوماً. وخلال هذه الفترة دعا ذلك الجبار لمحاربته، شتم مستهزأً اليهودَ الذين ارتعبوا من الخوف. لكن لم يتجرأ أحد أن يتحداه بسبب الخوف. كلهم طلبوا أن يخلصوا. وعندما أدركوا ضعفهم وأنهم خاسرون، أهدى الله النصر لداوود. مات المغرور جلعاد والفلسطينيون تخشّعوا.ِ
وسائل الله
اعتدنا في الحالات الطارئة أن نفكر بشرياً ونقدم حلولاً سطحية. على سبيل المثال نقول: "إذا هاجمنا العدو فجأة ولم يكن جيشنا مستعد، سيأسروننا ويدمروا بلدنا". ماذا تظن؟ ألانك لا تطارد العدو ألا يطارده الله؟ أو ألانك لست حاضرا في كل مكان، كذلك الله؟ أو ربما أن الله قادر على أشياء ويعجز أمام أخرى؟
بالرغم من أن البحر الأحمر ليس حي، إلا أنه سمع أمر الله وابتلع المصريين. بالرغم من أن السمك لا عقل له سمع من الله ودخل في شبكة بطرس. يستطيع ملاك واحد بأمر من الله أن يدمر كل أعداء المؤمنين. ألم يحدث شيء مماثل في زمن أليشع؟
ظن رجل كنعاني نفسه أنه إنسان عظيم، وأنه جندي مهم، أعني سيسرا (قضاة 5) الذي كُتب عنه في سفر المزامير: "افعل بهم كما بسيسرا كما بيابين في وادي قيشون" (مز9:83). كان يابين ملكا على كنعان وسيسرا رئيساً للجيش. ارتعب بنو إسرائيل عندما رأوا الجيش الكبير مع التسعمائة مركبة حديدية لسيسرا. عندها تكلم الرب بلسان النبية دبورة، إذ دعت حاكم اليهود وقالت له: "لا تخف، الله سيوقع سيسرا بين يديك. لكن الفخر سيكون لمرأة. نعم امرأة ستقتله".(قضاة 4). فعلاً قتلته ياعيل. أرايت كيف عوقب على تعجرفه؟ قُتل من امرأة. أسلمه الله إلى نوم عميق، حتى استطاعت ياعيل أن تغرس في صدغه وتد الخيمة ويموت.ِ
عندما يريد الله أن يساعدنا لا يوقفه شيء. يكفيه سلاح واحد، أو رجل مرسل، أو إيماءة منه للتغلب على أقوى الأعداء. دعونا نصلي للرب قائلين: "يا رب قل كلمة فيتبدد أعدائك، وتخلص مدينتك. قل كلمة فينتصر شعبك". لنقُل كما قال داوود النبي: "فهوذا أعداؤك يعجّون (أي يفسدون العالم) ومبغضوك قد رفعوا الرأس" (مزمور2:83). عندها يكفي امرأة واحدة مثل ياعيل أو مثل دبورة أو مثل تلك المرأة المجهولة التي ضربت بحجر الرحى الملك ابيمالك، الذي قتل أخيه، ليتحقق النصر.ِ
لدى الرب طرق خاصة متعددة لخلاصنا، إذ يعطي لكل واحدة حاجته، لأننا جميعاً بحاجة لدواء ما. "من يقول: أني زكيت قلبي؟ أو تطهرت من خطيئتي؟" (أمثال 9:20).ِ