«بعد زواجنا بأسابيع قليلة، لاحظت أشياء لم تظهر في أيام الخطبة! فقد بدأ يغار من أشياء كانت تبدو تافهة، فكنت أطيعه، حتى أريحه، وأريح نفسي. ولكنني وجدت أنه يتمادى في سلوكه، وأن طاعتي لم تُرحه، فقد أصبح يغار إذا تكلمت في التليفون مع أي إنسان، بحجة أنني أتركه بدلاً من الكلام معه. فأصبحت لا أستقبل أي مكالمات طوال وجوده في البيت.
ثم وجدت أنه يتضايق إذا تعلمت شيئاً جديداً، بحجة أن هذا يعطلني عن بيتي وأولادي ومع ذلك اكتشفت أنه يغار من اهتمامي لطفلينا، أو بتحضير أشيـاء لهـما، ويتهمــني بأنني لا أهتم به مثل اهتمامي بالأطفال!
فإذا تركت ما بيدي وجلست معه، أجده يتابع برامج التلفاز، أو يُقلب بـملل في الجرائد والمجلات، ولا يتكلم معي سوى كلمتين، ثم يتركني.. وهكذا كل يوم.
لقد ظننت أن المشكلة بيني وبين زوجي فقط، حتى اكتشفت أنه يتبع هذا السلوك في عمله أيضاً،فقد تحدث معي ذات مرة - بفخر وثقة كبيرة - أنه أصبح الموظف المفضل لدى رئيسه بالعمل، لأنه يُبلِّغ مديره عن أي غلطة أو سهو يصــــدر مــن زملائه، فتكون النتيجــــة التقديــر له، والعقاب للآخرين، وبدلاً من أن يتعاون معهم، فإنه يتصيـــد لهم الأخطاء لكي يظهر هو الأحسن والأفضل، والذي يخشى على مصلحة العمل!
لقد صُدمت عندما سمعت منه هذه القصة، فزوجي لا يتحمل أن يرى أحداً سواه يستمتع بالنجاح أو بالسعادة،فهو أناني لا يحب الخير لغيره.
لقـــد تربى زوجي ونشأ على هذا السلوك منذ طفولته. فقد لاحظت أن أهله يتعاملون مع طفليَّ بنفس الأسلوب، يشجعونهما على حب الذات، وعدم التعاون مع الآخرين، ماداما لن يستفيدا منهم شيئاً.
أصبحت أحارب في جبهتين، الجبهة الأولى، زوجي الذي أحاول أن أقنعه بسوء تصرفه، وبأنه يخسر حب الناس واحترامهم وتعاونهم معه، في سبيل تقدير غير مضــمــون لأنه لا يعتمد على مجهوده في العمل، بل على وقته الضائع في تصيد أخطاء الغير.
والجبهة الثانية: هي أولادي، فأنا أجاهد لكي أضعهما على الطريق السليم، ولأغرس فيهما حب الآخرين، والمبادئ الصالحة حتى ينجحا في حياتهما
نار الغيرة!
الغيرة هي شعور «ساخن وملتهب» يوحي للشخص بأنه يختلف عن الآخر، فيشعر بأنه هو الذي يستحق النجاح والتشجيع، وبأن الآخر منافس له.
والغيرة ليست شعوراً سلبياً دائماً، بل هي في حالتها الإيجابية اتجاه ودافع لصاحبها لكي يبذل مجهوداً أكبر حتى يحصل على النجاح والتميز اللذين يتمناهما.
أما الغيرة والحسد وتمني الأذى للآخرين الناجحين، فهي مشاعر مريضة ومدمرة للشخص الغيور، إذ أنه لن يستطيع أن يتقدم عن كل الناجحين، ولن يستفيد إلا دمار أعصابه واحتراقه من الغيرة.
ومشاعر الغيرة تنشأ مع الإنسان منذ طفولته، وتبعاً لأسلوب نشأته، وقد يظن بعض الآباء أن سلوك الغيرة بين الإخوة هو شعور وقتي، سيـــزول ســـريــعاً، ولكنــه قد يستــمر بين الإخــوة، ومن ثم بينهم وبين الآخرين، ما لم يوجه الآباء أبناءهم ليصلحوا من سلوكهم، ويتعلموا حب الآخرين.
شجِّع.. ولا تستفز!
* لكي تشجع إنساناً على التميز، وبذل الجهد في سبيل التقدم، لا تقارنه بشخص آخر ناجح بطريقة تستفزه، حتى لا يكره الآخر، بل شجعه على أن يتعلم من نجاحات الآخرين، وخبراتهم، وأن يضيف إلى ما تعلمه من أساليبهم وشخصياتهم.
* قاوم الشعور بالحسد، وهو تمني الشر والأذى للآخرين، فهو شعور سلبي مدمر، ويأكل صاحبه، ويؤخره عن التقدم، فبدلاً من أن يركز على التقدم، فإنه يركز على كيفية إيقاع الضرر بالآخرين.
* لا يستطيع الإنسان أن يعيش في عالم بمفرده، فالتعــــاون بيــن الــنــاس ضــــروري وحيـــوي، أمـــا الغيرة والحسد فيجعلان الشخص منبوذاً ووحيداً، يتحاشى الناس التعامل معه.
* كلما زادت الثقافة والوعي عند الشخص، قلت عنده مشاعر الحسد والغيرة، أو اختفت تماماً، فالبداية هي أن يعترف الشخص الحقـود بأنه يعاني من هذه المشاعر المدمرة التي تقلق منامه، وتأكل نفسه. فهذا الاعتراف هو بداية العلاج، ولكـــي يحافــــظ علـــى صحته، وعلى أعصابه، وإلا خسر كل هذا.
* أحياناً يخطئ الزوج (أو الزوجة) في مشاعره تجاه شريكه، فيظن أنه بزواجه منه قد امتلكه، وامتلك كل شيء في حياته، وهذا هو الحب المريض أو الأناني، وهو لا يصلح للتوافق والسعادة بين الزوجين.
* لا يوجد إنسان يمتلك كل شيء في حياته، فمن لديه الوظيفة قد يفتقد وجود الأسرة والحياة الدافئة، ومن يستمتع بها، قد يفتقد وجود أشياء أخرى.
* كل إنسان يمتلك موهبة أو قدرة وهبها الله لـــه، وهو يتميـــز بهـــا عن غــــيره من النـــــاس، وهي بالتأكيد قدرة إيجابية، وهبها الله له لكي يفيد بها نفسه، ويفيد الآخرين، فاكتشف نفسك من جديد، واشحذ قدرتك وذكاءك، وإمكاناتك للتقدم والتميز والبناء.