هذه الجماهير الغفيرة التي تملأ مقاعد الكنائس كل يوم أحد، هل هي جماهير من المخدوعين أم من المخلصين؟
هل يمكن أن يخدع الإنسان نفسه في الدين كما يخدعها في سائر الأشياء؟
هل يمكن أن تكون ديانة الإنسان باطلة وهو يعتقد أنها حقيقية؟
ما هو الحد الفاصل بين المخدوع والمسيحي الحقيقي؟
كل هذه أسئلة هامة يجب أن نجد لها جواباً واضحاً وشافياً من كلمة الله، لأنه على إجابتها الصحيحة يتوقف خلاص الإنسان أو هلاكه.
الشخص المخدوع
والآن لنتحدث عن صفات الشخص المخدوع، وهو يظن أنه مسيحي بحسب فكر الله، فما هي هذه الصفات؟
أول صفة للشخص المخدوع هي أن له صورة التقوى ولكنه ينكر قوتها
هذه هي الصفة التي يذكرها بولس الرسول عن الناس الذين يعيشون في الأيام الأخيرة فيقول لتلميذه تيموثاوس: ”ولكن اعلم هذا أنه في الأيام الأخيرة ستأتي أزمنة صعبة لأن الناس يكونون محبين لأنفسهم محبين للمال.. لهم صورة التقوى ولكنهم منكرون قوتها“ (2تيموثاوس 1:3-2، 5). وصورة التقوى تعني التدين الظاهري، أن يكتفي المرء من الدين بالقشور والمظاهر الخارجية دون اختبار حي مع الله، ودون أن تلامس نفسه الله القدوس العظيم، والشخص الذي يكتفي بصورة التقوى شخص مخدوع، قد يظن أنه مسيحي ولكنه ليس كذلك على الإطلاق.
تحدث الله إلى هذا النوع من المخدوعين الذين اكتفوا من الدين بمظاهره وطقوسه فقال: ”حينما تأتون لتظهروا أمامي من طلب هذا من أيديكم أن تدوسوا دوري؟... لست أطيق الإثم والاعتكاف. رؤوس شهوركم وأعيادكم بغضتها نفسي... فحين تبسطون أيديكم أستر عيني عنكم وإن كثـّرتم الصلاة لا أسمع... هلم نتحاجج يقول الرب. إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيضّ كالثلج. إن كانت حمراء كالدوديّ تصير كالصوف“ (إشعياء 12:1-18).
هذا هو حديث الله للمخدوعين منادياً إياهم للتوبة الحقيقية، لطرح التظاهر بالدين، لاختبار الحق في حياتهم. فليت كل مخدوع يسمع لصوت العليّ.
الصفة الثانية للإنسان المخدوع هي أنه لا يلجم لسانه
عن هذه الصفة يتكلم يعقوب الرسول قائلاً: ”إن كان أحد فيكم يظن أنه ديِّن وهو ليس يلجم لسانه بل يخدع قلبه فديانة هذا باطلة“ (يعقوب 26:1-27).
فذاك الذي يظن أنه ديِّن وهو ليس يلجم لسانه، هو في الواقع إنسان مخدوع.. ديانته باطلة.
يتحدث بطرس الرسول للإنسان الذي يحب الحياة قائلاً: ”لأن من أراد أن يحب الحياة ويرى أياماً صالحة، فليكفف لسانه عن الشر وشفتيه أن تتكلما بالمكر“ (1بطرس 10:3-11).
فالشخص الذي نال خلاص الله ”يكفف لسانه عن الشر وشفتيه أن تتكلما بالمكر“، ويا للقيمة العظمى التي للسان الإنسان!
أصغِ إلى يعقوب الرسول وهو يتكلم عن اللسان قائلاً: ”هكذا اللسان أيضاً، هو عضو صغير ويفتخر متعظماً. هوذا نار قليلة، أي وقود تحرق؟ فاللسان نار! عالم الإثم. هكذا جُعل في أعضائنا اللسان، الذي يدنس الجسم كله، ويُضرِم دائرة الكون ويُضرَم من جهنم... هو شر لا يُضبط مملوٌّ سماً مميتاً“ (يعقوب 6:3-8).
هذه قيمة اللسان، والمتدين المخدوع لا يضبط لسانه، إنه لا يستطيع أن يلجمه وديانته باطلة. فهل أنت مخدوع أو أنت مسيطر على لسانك؟
الصفة الثالثة للشخص المخدوع هو أنه لا يفعل إرادة الآب الذي في السموات
يتحدث رب المجد للمخدوعين قائلاً: ”ليس كل من يقول لي: يا رب يا رب يدخل ملكوت السموات، بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السموات. كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم: يا رب يا رب، أليس باسمك تنبأنا، وباسمك أخرجنا شياطين، وباسمك صنعنا قوات كثيرة؟ فحينئذ أصرح لهم: إني لم أعرفكم قط! اذهبوا عني يا فاعلي الإثم!“ (متى 21:7-23). وفي هذه الكلمات يرينا رب المجد أن الطاعة هي دليل الإيمان الحق، هي علامة صيرورتنا مسيحيين مولودين من الله.
قال صموئيل لشاول الملك العاصي: ”هوذا الاستماع أفضل من الذبيحة والإصغاء أفضل من شحم الكباش“ (1صموئيل 22:15). وهذه الكلمات تعني أن الناس لا يستطيعون أن يقدموا إلى الله ذبيحة أو تقدمة يمكن أن تكون في نظره أكثر قيمة من الطاعة.
لقد رسمنا للمسيحية صورة سهلة، أبعدتها عن الكتاب المقدس بعداً تاماً، ولذا صارت كرازتنا مجرد إغراء للناس بالإعلان عن قبولهم للمسيح دون تنبير على ضرورة طاعة الإيمان.
في اعتقادي أن الرب يسوع وضع فريضة المعمودية بالماء بعد التجديد لتكون المحكّ الذي يعلن حقيقة تجديد الشخص واستعداده لطاعة كلمة الرب. فالشخص الذي يقبل الرب يسوع بصدق يسرع بطاعته في إتمام فريضة المعمودية، فالمعمودية بالماء ليست مظهراً خارجياً، ولا هي مجرد طقس ظاهري، وإنما هي في واقع الأمر المحك الذي يعلن طاعتنا أو عصياننا. وكل الذين قبلوا الرب يسوع بحق، واختبروه مخلصاً شخصياً لهم بادروا بإظهار طاعتهم بالإسراع إلى إتمام المعمودية بالماء.
فأهل السامرة أظهروا طاعتهم بسرعة بعد إيمانهم عن طريق معمودية الماء إذ نقرأ عنهم: ”ولكن لما صدقوا فيلبس وهو يبشر بالأمور المختصة بملكوت الله وباسم يسوع المسيح اعتمدوا رجالاً ونساء“ (أعمال 12:8).
والوزير الحبشي أظهر إيمانه بطاعته للمعمودية إذ نقرأ عنه: ”وفيما هما سائران في الطريق أقبلا على ماء، فقال الخصي: هوذا ماء، ماذا يمنع أن أعتمد؟ فقال فيلبس: إن كنت تؤمن من كل قلبك يجوز. فأجاب وقال: أنا أؤمن أن يسوع المسيح هو ابن الله. فأمر أن تقف المركبة، فنزلا كلاهما إلى الماء، فيلبي والخصي، فعمّده“ (أعمال 36:8-38).
وبولس الرسول أعلن طاعته للرب بإسراعه للمعمودية إذ نقرأ عنه: ”فللوقت وقع من عينيه شيء كأنه قشور، فأبصر في الحال، وقام واعتمد“ (أعمال 18:9).
فالطاعة إذن دليل الإيمان الحي، دليل الاختبار الحي. أما المسيحية التي لا تكلفنا طاعة للرب فهي تديُّن كاذب، وصاحبها مخدوع.
والطاعة يجب أن تشمل كل نواحي الحياة، فهي تبدأ بالمعمودية بعد التجديد، ولكنها تلوِّن الحياة بأسرها فتمس المال، والخدمة، ودرس الكتاب، والصلاة، والحياة العالمية والسهر.
إن الطاعة معناها رفض ذواتنا، ومشيئتنا، وتقاليدنا البشرية، وسماع صوت الله صاحب السلطان الأوحد في الحياة.
الشخص المخلص
نصل الآن للحديث عن الشخص المخلص، فنستعرض صفاته بسرعة. وأول صفة في الشخص المخلص هي أنه:
1- قبـِل الرب يسوع المسيح
إن الإيمان بمسيح التاريخ لا قيمة له إلا إذا قبلنا المسيح مخلصاً شخصياً. فما فائدة معرفتي عن وليمة فيها أشهى الأطعمة وأحلى المأكولات وأنا لم آكل من هذه المائدة ولم يدخل فمي شيء من أطايبها؟ إن المسيحي المخلص هو شخص قبـِل المسيح وتيقّن من حياته الأبدية فيه كما يقول الكتاب المقدس: ”وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه“ (يوحنا 12:1).
2- يضع كلمة الله فوق كلام الناس
عن هذا قال رب المجد: ”الذي من الله يسمع كلام الله. لذلك أنتم لستم تسمعون لأنكم لستم من الله“ (يوحنا 47:8). إن الشخص الذي يضع تقاليد كنيسته، أو عقائدها، أو قانون إيمانها فوق كلام الله هو بالتأكيد ليس من الله. ”أنتم لستم تسمعون لأنكم لستم من الله“، بمعنى أنه لم يولد من الله، لم يصبح مسيحياً حقيقياً. أما المسيحي المولود من الله فإنه يحب كلمة الله، ويطيعها، ويسرع إلى سماعها وتنفيذها مهما تعارضت مع وراثاته وأخطاء القرون التي تراكمت في ذهنه. إن شعاره هو ”ليكن الله صادقاً وكل إنسان كاذباً“ (رومية 4:3). فهل تطيع كلام الله أم وصايا وتعاليم وتقاليد الناس؟
3- يعيش في السماء
هذا واضح من كلمات بولس: ”فإن سيرتنا نحن هي في السموات التي منها أيضاً ننتظر مخلصاً هو الرب يسوع المسيح“ (فيلبي 21:3). ”فإن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله. اهتموا بما فوق لا بما على الأرض“ (كولوسي 1:3-4).
الحياة للسماء هي صفة من صفات المسيحي الحقيقي أما ذاك الذي وضع كل آماله في الأرض والذي نسي أنه غريب ونزيل في هذه الدينا، فهو شخص مخدوع في ديانته ينبغي أن يراجع نفسه، ويرجع إلى ربه. فهل أنت مخدوع أم مخلص؟ سؤال خطير، أنت وحدك تستطيع الإجابة عنه!