كم من أحلام كانت أفكاراً حبيسة داخل عقول من يحلمون بها، وظلت الأحلام والأفكار تنمو رويداً رويداً، وتخترق حاجز الصعاب وتظهر صغيرة صغيرة حتى أصبحت حقيقة يراها جميع الناس ويشعرون بها ويستفيدون منها....
إني أذكر قول الشاعر الذي عبر عن فرحه عندما تحول حلم عاش في عقول الناس إلى حقيقة فقال: "كان حلماً فخاطراً فاحتمالاً، ثم أضحى حقيقة لا خيالاً..." إن التجسد الذي نعيد له كل سنة، كان حلماً عاش مع البشرية منذ سقوط آدم، حتى أتت الساعة وأشرق النور وسط ظلمة الدهور "الشعب السالك في الظلمة أبصر نوراً عظيماً".. (مت 4 : 16) كان هذا الحلم فكرة في عقل الله، ولما أتى ملء الزمان أصبحت الفكرة حقيقة واقعة! ما أقوى الفكرة.. لا تستهينوا بأثر الفكر وبمفعولها، فالفكرة إذا ما وجدت سبيلها إلى عقل الإنسان تستطيع أن تغير حياته، وإذا بفكرة تنطلق في عقله ويسعى لتحقيقها وتتحول الفكرة إلى حلم والحلم إلى جهاد وصبر وتعب.. فيتبدل اليأس إلى أمل وتتحول الكآبة إلى بهجة وسرور.. فالكتاب يقول "أفكار المجتهد إنما هي للخصب" أم 21 : 5 .
في إحدى المدن بولاية أوهايو الأمريكية، نشأ فتى صغير، لم يكن أبوه يهتم به فكثيراً ما رماه بالبلادة والغباء وأساء معاملته وكان يضربه ضرباً شديداً، وفي ذات يوم ضربه بالسوط في إحدى الساحات العامة وعلى مرأى من الجماهير الذين توافدوا إلى تلك الساحة ليروا ذلك المشهد الغريب! ألحقه أبوه بإحدى المدارس المتواضعة ولكنه لم يستمر في الدراسة أكثر من ثلاثة أشهر فقط، فقد قرر ناظر المدرسة طرده بعد أن شك في قواه العقلية واستعداده للدراسة، وواجه والدة الطفل بهذه الحقيقة، لكنها قالت له "إن ابني يحمل فوق كتفه رأساً فيه من الذكاء أكثر مما في رأسك وفي رؤوس كل زملائك المدرسين"... وتفرغت الأم بإصرار للعناية بطفلها وهو يهوى الاختراعات.. وكان يحلم بتسجيل الصوت فكثيراً ما داعب خياله فكرة أن يحتفظ بأصوات أصدقائه المحبوبين وعن طريق المصادفة كان أحد الأطفال يلعب أمام شاطئ البحر وأحضر معه صدفة كبيرة وضعها على أذنه وتعجب من أن صوت البحر مازال مخزوناً فيها... أجرى توماس إديسون تجارب كثيرة على صدفة البحر واستطاع أخيراً أن يخزن الصوت ويحقق ابتكاراً طالما داعب خيال الإنسان وكان الفنوجرام أول جهاز لتسجيل الصوت...
حقاً إن الأحلام التي صاحبها كفاح وجد وتعب لابد يوماً أن تصبح حقيقة مبهجة... لست أدعوك طبعاً إلى الهم والقلق والتفكير بأحلام خيالية تفوق قدراتك والقلق على المستقبل، فمسيحنا المحبوب أوصانا ألا نهتم بالغد يكفي اليوم شره، وعلى رأي المثل القائل "لا تعبر جسراً قبل أن تصل إليه".. ولكني أدعوك لأن تفكر أفكاراً خلاقة خالية من الهم والقلق وأن تحلم بتحققها وتكافح للوصول إليها، إني أنشد لك الحلم الإيجابي الذي يطلق مواهبك وقدراتك وعبقريتك، ويحرر طاقاتك الكامنة على الإبداع ويساعدك على مواجهة المواقف بشجاعة...
هيا قم من الاسترخاء والكسل.. فكر.. احلم ... ثم أخيراً افرح بتحقيقها...