اللقاء الجنسي في الزواج يُعَبِِّر عن أعلى معاني الحب الإنساني، وعن أرقى إمكانات الوحدة بين البشر التي تُصَيِّر الاثنين واحداً ... أما الانفعال الجسدي المرتبط باللقاء الجنسي فهو تعبير عن انفعال النفس بحب شريك العمر، حب ينمو عبر الزمن، ويتجرد شيئاً فشيئاً من الذاتية، لتصبح العلاقة الجنسية بالنهاية تعبيراً عن البذل والتفاني المتبادلين.
واللقاء الجنسي يُدخِل الزوجين في حالة انسكاب نفسي متبادل يشترك فيه الجسد فتؤدي بهم إلى اتحاد كياني عميق فيه ذوبان ما للذات من أجل استعلان ما للآخر، وفيه تمجيد للحب وإهدار للأنانية ... فالعلاقة الجنسية في وضعها الأصيل ليست عملاً جسديا خالياً من مشاركة العقل والوجدان ... إنها من أرقى النشاطات الإنسانية إذا مارسها الإنسان دون أن ينحرف بها عن طريقها الأصيل الذي رسمه الله منذ البدأ، وهي – ككل الأعمال البشرية – يمكن أن تكون تدعيماً للحب البشري، أو تعمل على زيادة عزلة الإنسان وكآبته إذا ما خرج بها عن مسار الحب والبذل والتفاني.
لقد وهب الله الفرد شوقاً داخله وميلا طبيعياً نحو الجنس الآخر وينمو هذا الميل مع النمو الجسماني والعاطفي والعقلي للفرد، وتُعد العلاقة العاطفية بين الرجل والمرأة من أقوى العلاقات الإنسانية، إذ تفوق في شدتها علاقات أخرى كثيرة ... ويرجع ذلك إلى أن التجاذب النفسي بين الزوجين يحدث بشكل طبيعي، مثلما يتجاذب قطبي المغناطيس، بلوغاً إلى حالة التكامل النفسي الجنسي يشعران خلالها بدرجة عالية من الاستقرار والأمان ... لذلك يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: [ليس هناك شيء يلحم حياتنا مع بعضنا البعض مثل حب الرجل وزوجته].
مستويان من اللقاء الجنسي في الزواج:
المتأمل في رسالة رومية الفصل الثامن، يكتشف أن هناك مستويين من السلوك الإنساني بوجه عام:
(1) مستوى السلوك "حسب الجسد": أي السلوك تبعاً لأهواء النفس ووفقاً للطبيعة الأنانية الفاسدة.
(2) مستوى السلوك "حسب الروح": أي ما يرضي الروح القدس الساكن فينا.
وعملياً نجد أن الإنسان يمكن أن يقوم بعمل روحي في شكله، ولكنه "حسب الجسد" في جوهره مثل القيام بخدمة داخل الكنيسة من أجل التلذذ بمدح الناس، أو إشباع رغبات نفسية أخرى، دون أن يكون الله هو هدف العمل ... وعلى النقيض يمكن أن يقوم الإنسان بعمل مادي في شكله ولكنه "حسب الروح" في جوهره مادام القلب يرجو الله ويسعى إليه، مثل الطالب الذي يذاكر في كتبه، أو العامل الذي يعمل في مصنعه، وقلبه متجه نحو الله ساع ٍ لإرضائه في كل شيء.
ويبلغ هذا المعنى ذروته في الزواج المسيحي، فالعلاقة الجنسية وإن كانت علاقة جسدية في مظهرها، إلا أنها عندما تتم بين زوجين يحمل كل منهما داخله قلباً طاهراً نقياً، فإنها تدخلهما في حالة اتحاد نفسي وروحي، ومن ثم نجد عملاً جسدياً في مظهره ولكنه "حسب الروح" في جوهره، والعبرة هنا بحالة القلب.