أحد خدام الرب هذه القصة : كنت وأنا في الثامنة من عمري ، ألهو مرة في المنزل ، ودخلت إلينا إحدى الجارات ، وتكلمت مع أمي في مشكلة خاصة بابنها . كنت أنا بجوار النافذة ، ولكني عرفت كل شئ لأني سمعت كل شئ . ولما انصرفت جارتنا قالت أمي : " إذا كانت " فلانة " جارتنا قد تركت عندنا كيس نقودها ، فهل نعطيه لشخص آخر غيرها ؟! " . فقلت : " طبعا لا " . فقالت : " إنك سمعت قصتها عن ابنها ، وهذه القصة أغلى من كيس نقودها ، وقد تركتها عندنا اليوم لكنها مازالت ملكها ، ولا ينبغي أن يأخذها أحد ، فهل تفهم ما أقول ؟ نعم فهمت ، ومن يومها فهمت أن سرا أؤتمنت عليه لا ينبغي أن أبوح به لأي شخص لأنه ليس من حقي أن أبوح به ولو تلميحاً .
إنني في كل صباح أطلب إلى الرب أن يمنحني أن لا أتكلم في مواجهة أي إنسان عن محاسنه وفضائله ومواهبه ، وأن لا أتلكم في غيبته عن أخطائه ونقائصه " . ويا لها من طلبة جليلة !! ويا له من خلق نبيل !! ... لكن للأسف ، ما أقل ما نتصرف هكذا . بل لعلنا نعكس الترتيب في أغلب الأحيان، فنمدح ونطري الناس في وجوههم ، ونغتابهم ونشوههم ونطعنهم من الخلف في ظهورهم ... ليت الرب يرحمنا من هذا الشر .
إن خطية الوشاية وإفشاء السر والطعن من الخلف وإشاعة الذمة عن الغير ونشر الفضائح والأقاصيص الشريرة ، خطية منتشرة في كل مكان وفي كل البيئات . إنها خطية نجسة وأمر بالغ الأذي وشر شيطاني ذميم . ولقد قيل بحق أن المغتاب أو الثالب ( الذي يتكلم بالسوء في غيبة الآخرين ) يسيئ إلى ثلاثة أشحاص فهو يسيء إلى نفسه ، ويسيء إلى سامعه ، ويسيء إلى الغائب المطعون من الخلف ولكن متى تمكنت المحبة الإلهية في قلوبنا فلن يوجد مجال لتلوك ألسنتنا ضعفات إخوتنا وزلاتهم ، بل سنصلحها بروح المحبة والوداعة ، ناظرين إلى أنفسنا لئلا نجرب نحن أيضا" والمحبة تستر كل الذنوب من يستر معصية يطلب المحبة ، ومن يكرر ( يفشي ) أمرا بين الأصدقاءفإن من يستر المعصية والخطايا يتمثل بالله ويحبه الجميع ، لكن الذي يكرر أمرا بقصد الإساءة لغيره . والذي يندم إخوته ويعدد مثالبهم ويفضح عيوبهم ، فإنما هو يستمد قدوته من " الشيطان " ؛ الذمام الأول والكبير " المشتكي على إخوتنا ... نهارا وليلا هذه الخطية ؛ خطية الوشاية والذمة وإفشاء السر ، وننصحك أن لا تستمع إلى ثالب أو ثالبة وإلا فإنك تشاركه في هذا الشر عينه . كما نوصيك ونوصي جميع القراء باستعمال العلاج الذي وصفه سليمان إزاء كل إشاعة ذميمة، إذ يقول الحكيم : " ريح الشمال تطرد المطر ، والوجه المعبس يطرد لسانا ثالبا " (أم 25 : 23 ) . فإن الإصغاء الواشي هو أقوي مشجع له ، أما إذا قابلنا " " بوجه معبس " ثم وبخناه في خوف الله ، فقد نستطيع أن نقتل جرثومة الشر في مرقدها " الساعي بالوشاية يفشي السر ، فلا تخالط المفتح شفتيه ولنتذكر دائما ـ أيها الأحباء أن " من يحفظ فمه ولسانه ، يحفظ من الضيقات نفسه وأن " كثرة الكلام لا تخلو من معصية " أما الضابط شفتيه فعاقل ليكن كل إنسان مسرعا في الاستماع، مبطئا في الغضب وقيل أن الرب قد أعطانا أذنين ولسانا واحدا ، لنسمع ضعف ما نتكلم ، وقبل أيضا أن الرب وضع الأذنين خارج الجسم ، ووضع اللسان خلف بوابتين ، هما بوابة الفكين وبوابة الشفتين ، ليفكر الإنسان مرتين قبل أن يتكلم ، لذلك قال المرنم : " قلت : أتحفظ لسبيلي من الخطأ بلساني ، أحفظ لفمي كمامة فيما الشرير مقابلي لتكن أقوال فمي وفكر قلبي مرضية أمامك يا رب ، صخرتي وولبي "وهناك قاعدة سهلة تساعدنا كثيرا على التغلب على هذه الخطية . أولاً : وقبل كل شئ يجب أن نكون مصلين في روح النبي القائل : " اجعل يا رب حارسا لفمي . احفظ باب شفتي وثانيا ينبغي أن نسأل أنفسنا ثلاثة أسئلة قبل أن ننطق بأية كلمة . وهذه الأسئلة هي : (1) هل ما سوف أقوله صحيح ؟ (2) هل ما سوف أقوله رقيق وغير جارح ؟ (3) هل ما سوف أقوله ضروري ولازم ؟ ... فإذا كان الجواب على سؤال من هذه الأسئلة بالنفي فإنه يكون من الأصلح أن نبقي صامتين ودعونا أيها الأحباء ـ نثبت أنظارنا على الرب يسوع ـ مثالنا الكامل ـ الذي استطاع أن يقول : " لأني لم أتكلم من نفسي ، لكن الآب الذي أرسلني هو أعطاني وصية : ماذا أقول وبماذا أتكلم " ( يو 12 : 49 ). ويا له من أتكال كامل !! هذا هو سر الأمانة في السلوك " الاتكال الكامل على الله " . يا ليت التأثير المقدس لهذا الأمر يظهر في طرقنا وحياتنا .
أستطيع كل شئ في المسيح الذي يقويني " ( في 4 : 13 )