هل هناك صفات مشتركة بين جنس الرجال تميزهم وصفات مشتركة بين جنس النساء تميزهن؟ أم أن كل رجل هو بمثابة حالة خاصة له صفاته المميزة له وحده وبالتالي يصبح التعميم خاطئا؟ وهل هناك مفاتيح لفهم الرجل تساعد المرأة حين تتعامل معه على الدخول لعالمه وفك أسراره وفهم مواقفه؟!.
الرجل إنسان والمرأة أيضا إنسانة ولا توجد فروق قائمة على النوع، وإنما الفروق قائمة على طبيعة كل إنسان/ إنسانة
من متابعة الدراسات والأبحاث والملاحظات وتاريخ الرجل عبر العصور نجد أن هناك سمات مشتركة ومفاتيح محددة يتسم بها الرجال؛ تسهل فهم طريقة تفكيرهم وسلوكهم. ويبدو أن هذه السمات المشتركة لها جذور بيولوجية (التركيب التشريحي والوظائف الفسيولوجية وخاصة نشاط الغدد الصماء)، وجذور تتصل بدور الرجل في المجتمعات المختلفة.
فالتركيبة الجسمانية العضلية للرجل وما يحويه جسده من هرمونات ذكورة وما قام به من أدوار عبر التاريخ مثل العمل الشاق، وحماية الأسرة، والقتال، كل هذا جعله يكتسب صفات رجولية تجعله مختلفا -وليست تفضله- عن عالم النساء. وهذا لا ينفي وجود فروق فردية بين الرجال (كما هي بين النساء) تستدعي الانتباه.
مفاتيح الرجل
والآن نحاول استعراض أهم السمات العامة ومفاتيح شخصية الرجل:
1- الاختلاف الذكوري: في بداية التاريخ الإنساني كانت الآلهة غالبا تأخذ الشكل الأنثوي في التماثيل التي كانوا يصنعونها، وكان هذا التقديس للأنثى قائما على قدرتها على الإنجاب وإمداد الحياة بأجيال جديدة، ولكن مع الزمن اكتشف الرجل أن الأنثى لا تستطيع الإنجاب بدونه، إضافة إلى أنه هو الأقدر على دفع الحيوانات والوحوش عنها وعن أسرته، وهو الأقدر على قتال الأعداء لذلك بدأ التحول تدريجيا.
ففي بعض المراحل التاريخية نجد أن تمثال الرجل يساوي تقريبا تمثال المرأة، ثم تحول الأمر بعد ذلك ليعلو تمثال الرجل على تمثال المرأة حيث اكتشف الرجل أدواره المتعددة وقدرته على السيطرة والتحكم وتغيير الأحداث في حين انشغلت المرأة بأمور البيت وتربية الأبناء.
ومن هذه المرحلة بدأت فكرة الاختلاف الذكوري وترسخت مع الزمن، وكان يسعد بها الرجل السوي وتسعد بها المرأة السوية والتي تعرف أنها تمتلك هي الأخرى في المقابل تميزا أنثويا من نوع آخر يناسب تكوينها ودورها.
ولكن الرجل في بعض المراحل التاريخية وخاصة في فترات الاضمحلال الحضاري راح يبالغ في "اختلافه الذكوري" حتى وصل إلى حالة من "الاستعلاء الذكوري"، وفي المقابل حاول وأد المرأة نفسيا واجتماعيا وأحيانا جسديا فحط من شأنها واعتبرها مخلوقا "من الدرجة الثانية"، وأنها مخلوق "مساعد" جاء لخدمته ومتعته وأنها مخلوق "تابع" له.
وهذا التصور العنصري المخالف لقواعد العدل والأخلاق والمخالف لتعاليم السماء في الدين الصحيح دفع المرأة لأن تهب دفاعا عن كيانها ضد محاولات السحق من الرجل، ومن هنا نشأت حركات التحرر في البداية لتعيد للمرأة كرامتها وحقوقها من أيدي الرجال المستبدين، ولكن بعض هذه الحركات بالغت في حركتها ومطالبها وسعت عن قصد أو عن غير قصد؛ لأن تجعل المرأة رجلا ظنا منها أن هذه هي المساواة، وقد أفقد هذا التوجه المرأة تميزها الأنثوي الذي هو سر وجودها، وأصبح الأمر معركة وجود وندية مع الرجل، وخسر الاثنان (الرجل والمرأة) تميزهما الذي منحهما الله إياه ليقوم كل بدوره.
وبما أن المرأة والرجل من صنع اللة فلا نتصور أن يتحيز الخالق لأحد مخلوقاته ضد الآخر، ولكنها الأدوار والمهام والواجبات، والعدالة في توزيع التميز في جوانب مختلفة لكي تعمر الحياة. والرجل يكمن في داخله الشعور بالاختلاف الذكوري، وهذا الشعور يجعله حريصا على القيام بدور القيادة والرعاية للمرأة وللأسرة وينبني على هذا الشعور مفهوم القوامة، وهو مفهوم عميق في نفس الرجل وجاءت الأديان السماوية تؤكده كشيء فطري لازم للحياة، فما من مشروع أو مؤسسة إلا وتحتاج لقيادة حكيمة وخبيرة وناضجة، ولما كانت مؤسسة الأسرة هي أهم المؤسسات الاجتماعية عبر التاريخ الإنساني كان لا بد من الاهتمام بقيادتها، وقد ثبت عمليا أن الرجل (في معظم الأحيان) جدير بهذه القيادة بما تميز به من صفات القوة الجسدية والقدرة على العمل الشاق وكسب المال ورعاية الأسرة والتأني في اتخاذ القرارات.
2- القوامة: هي روح الرجولة، وإذا حاولت المرأة انتزاعها (غيرة أو تنافسا) فإنها في الحقيقة تنتزع رجولة الرجل ولا تجد فيه بعد ذلك ما يستحق الإعجاب أو الاهتمام، بل تجده إنسانا ضعيفا خاويا لا يستحق لقب فارس أحلامها ولا يستحق التربع على عرش قلبها.
والمرأة السوية لا تجد مشكلة في التعامل مع قوامة الرجل السوي الذي يتميز فعلا بصفات رجولية تؤهله لتلك القوامة
يجب أن يكون ذا فضل وذا قدرة على الكسب والإنفاق، أما إذا اختلت شخصيته فكان ضعيف الصفات، محدود القدرات ويعيش عالمة على كسب زوجته فإن قوامته تهتز وربما تنتقل لأيدي المرأة الأقوى بحكم الأمر الواقع وقوانين الحياة.
والقوامة ليست استعلاء أو استبدادا أو تحكما أو تسلطا أو إلغاء للمرأة كما يفهم بعض الرجال، وإنما هي رعاية ومسئولية وقيادة منطقية عادلة واحترام لإرادة المرأة وكرامتها كشريك حياة ورفيق طريق، والمرأة السوية تشتاق من أعماقها لتلك القوامة الرشيدة والتي تعني لها قدرة رجلها على رعايتها واحتوائها وحمايتها وتلبية احتياجاتها واحتضانها كي تتفرغ هي لرعاية واحتواء وحماية واحتضان وتلبية احتياجات أطفالها.
والمرأة التي تنتزع القوامة من زوجها تصبح في غاية التعاسة -في حالة كونها سوية-؛ لأنها تكتشف أنه فقد رجولته وبالتالي تفقد هي أنوثتها.
3- الرجل طفل كبير: هذا المفهوم كنت أعتقد أنه من قبيل الكلمات المرسلة والتي يستخدمها الناس بلا وعي في مزاحهم، ولكنني وجدت إلحاحا على معناه في أكثر من دراسة واستطلاع رأي للرجال والنساء، ويبدو أن هناك شبه اتفاق على هذه الصفة في الرجل؛ فعلى الرغم من تميزه الذكوري، فإنه يحمل بداخله قلب طفل يهفو إلى مَن تُدللِّـه وتداعبه، بشرط ألا تصارحه بأنه طفل؛ لأنها لو صارحته فكأنها تكشف نقطة ضعفة؛ ولذلك تقول إحدى النساء بأن من تستطيع أن تتعامل مع الأطفال بنجاح غالبا ما تنجح في التعامل مع الرجل.
والمرأة الذكية هي القادرة على القيام بأدوار متعددة في حياة الرجل؛ فهي أحيانا أم ترعى طفولته الكامنة، وأحيانا أنثى توقظ فيه رجولته، وأحيانا صديقة تشاركه همومه وأفكاره وطموحاته، وأحيانا ابنة تستثير فيه مشاعر أبوته، وهكذا...، وكلما تعددت وتغيرت أدوار المرأة في مرونة وتجدد فإنها تسعد زوجها كأي طفل ينفر لعبه بسرعة ويريد تجديدها دائما، أما إذا ثبتت الصورة، وتقلصت أدوار المرأة فإن هذا نذير بتحول اهتمامه نحو ما هو جذاب ومثير وجديد (كأي طفل - مع الاعتذار للزعماء من الرجال).
4- الرجل يحب بعينيه غالبا (والمرأة تحب بأذنها وقلبها غالبا): وهذا لا يعني تعطيل بقية الحواس وإنما نحن نعني الحاسة الأكثر نشاطا لدى الرجل، وهي حاسة النظر، وهذا يستدعي اهتماما من المرأة بما تقع عليه عين زوجها فهو الرسالة الأكثر تأثيرا (كما يستدعي من الرجل اهتماما بما تسمعه أذن زوجته وما يشعر به قلبها تبعا لذلك). وربما نستطيع أن نفهم ولع المرأة بالزينة على اختلاف أشكالها، دليل على قوة جذب ما تراه عين الرجل على قلبه وبقية كيانه النفسي. ثم تأتي بقية الحواس كالأذن والأنف والتذوق واللمس لتكمل منظومة الإدراك لدى الرجل، ولكن الشرارة الأولى تبدأ من العين؛ ولهذا خلق الله الأنثى وفي وجهها وجسدها مقاييس عالية للجمال والتناسق تلذ به الأعين
والرجل شديد الانبهار بجمال المرأة ومظهرها وربما يشغله ذلك، ولو إلى حين، عن جوهرها وروحها وأخلاقها، وهذا يجعله يقع في مشكلات كثيرة بسبب هذا الانبهار والانجذاب بالشكل. وهذا الانبهار والانجذاب ليس مقصورا على البسطاء أو الصغار من الرجال وإنما يمتد ليشمل أغلب الرجال على ارتفاع ثقافتهم ورجاحة عقولهم.