«أيها الآب السماوي الأمين، أرشدني بروحك المعين، لأقدم لهذا الولد المسكين بشارة الخلاص الثمين، آمين».
كانت تلك صلاة رفعها في أنين يُعبر عن حب في القلب دفين خادم الرب "جون نيلسون داربي" وهو في الجانب الغربي لأيرلندا في عام 1827م، وكان قد جلس على كومة من القش وأمامه ما يُشبه هيكلاً عظميًا هشًا لولد اسمه "وليم" قد بلغ الخمسة عشر عامًا من عمره، وقد نام على وسادة من الطين وبدا على وجهه الحطام الممتزج بالآلام وتجاعيد الأيام رغم سنه المُبكر.
ظل "وليم" في سعال مستمر يجلب الإشفاق والحنان إذ كان سعاله كنواح الغربان واستغاثات إنسان غريق، وإضافة لذلك كانت برودة الشتاء ترسم علامات الشقاء على "وليم" فلم يكن يغطي جسده العليل إلا القليل من الخرق البالية وكأنه يلتحف تلك "العِشَّة" المليئة بالظلام والوحشة. وكان "جون داربي" قد حضر إلى هذا المكان ليوصل بشارة الإنجيل لهذا الغلام العليل، وظل أكثر من ساعة يسير في أردإ السُبل إذ كانت الثلوج تغطي كل الجبل.
وبكل إخلاص حاول الخادم الحبيب أن يوصل "لوليم" رسالة الخلاص العجيب الذي أكمله المسيح على الصليب لينقذنا من القصاص الرهيب. ولكن ويا للأسف، ففي كل مرة فيها يتكلم الخادم كان الشاب يفتح عينيه ويحني رأسه في ذبول ليعبر عن يأسه في ذهول ويقول:
- «أنا لم أدخل المدرسة ولن أستطيع أن أفهم شيئًا مما تقول فهذه أمور تفوق العقول».
شعر داربي بالخوار وهو أمام هذا المسكين المنهار، والذي سيهوي حتمًا إلى النار، لأنه لم يعرف الإنجيل الذي لنا الحياة والخلود أنار، وضمن لنا أحلى الديار. سيمضي بدون رجاء، سيمضي إلى مساء بلا ضياء، فيا له من شقاء!!
ومرة أخرى وبنفس مُرّة صلى "داربي":
- «آه يا رب، أعلم أن حُبك "لوليم" أعظم من كل حبي الذي يملأ قلبي، فاهد دربي لأوصل نور الإنجيل ليُنير السبيل لهذا الغلام العليل».
ساد صمت طويل، وبعدها سأل خادم الإنجيل "وليم":
- «متى، وفي أي الأحوال أصبت بهذا السعال؟»، بدأ وليم بشفتين مرتجفتين وبقلب يئن يستجمع قواه ثم قال:
- «منذ ما يقرب من العام، وفي أحد الأيام بعد أن حل الظلام قبل أن ننام اكتشف أبي غياب إحدى الأغنام، ولأن الثلوج كانت تغطي الضيعة بالتمام، هرب من الجميع كل سلام، وكان الحزن والقتام يعلو بيتنا حتى الغمام، ولأني أعلم أن أبي عطوف ويُقدّر كل خروف حتى ولو كان يمتلك منها الألوف، لم أستطع الوقوف كالمكتوف بل تركت دفء البيت دون خوف. وقررت أن أتحدى الظروف وألا أعود من الجبل إلا ومعي الخروف».
صمت "وليم" ليلتقط أنفاسه. وعندها سأله الخادم بكل اهتمام:
- «وهل رجعت به بسلام؟». أردف "وليم":
- «أكثر من مرة تعرضت للهلاك وتمزقت قدماي بالأشواك، وقاسيت من الثلوج والعذاب، وهاجمني قطعان الذئاب، وعند الفجر كِدت أفقد الأمل وناجيت نفسي: «وما العمل؟» وفجأة أبصرت الحمل وهو في حفرة ثلجية، يكاد أن يتجمد من الوحدة والبكاء ومن برد الشتاء، فخلعت ثوبي وغطيته واحتضنته بعد أن ضمدت منه الجراح. ولما عُدت به في الصباح استقبلني أبي والأهل بالأفراح، ثم جلسنا حول النار أستدفئ أنا وخروفي ومنذ ذلك اليوم وأنا مُصاب بالسعال وكلما يشتد بي المرض أتذكر الخروف الذي أنقذته فتهون عليّ آلامي فلقد وجدت خروفي الضال».
وعندها فتح الخادم كتابه المقدس على إنجيل لوقا 4:15-7 وأخذ يقرأ "لوليم" بهدوء {أي إنسان منكم له مائة خروف وأضاع واحدًا منها، ألا يترك التسعة والتسعين في البرية ويذهب لأجل الضال حتى يجده؟ وإذا وجده يضعه على منكبيه فرحًا ويأتي به إلى بيته ويدعو الأصدقاء والجيران قائلاً: «افرحوا معي لأني وجدتُ خروفي الضال». أقول لكم أنه هكذا يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين بارًا لا يحتاجون إلى توبة».
وما إن أكمل "جون داربي" قراءة الأصحاح، حتى لمعت عينا "وليم" وانتصب ثم جلس وقال:
- «الآن قد فهمت ما كنت تحاول أن تخبرني به، فأنت تقصد أني أنا الراعي الضال والرب يسوع هو الراعي الذي يبحث عني لأنني ضللت مثل خروفي على جبال الخطايا». وصمت قليلاً وهو يهز رأسه في تأثر. فقال له الخادم:
- «نعم ولأجلك وفي طريق حبك مات المسيح وثُقبت يداه ورجلاه بالمسامير وتكلل بالأشواك وإلى الآن هو يبحث عنك»
جرت الدموع بغزارة من عيني "وليم" وصرخ:
- «أيها الراعي الطيب، أحتاج إليك جدًا فبرودة الخطية الأشد من برودة الحالة الجوية تكاد تقتلني. إنني الآن أرتمي في أحضانك فأنا أحتاج إلى دفء حنانك». وسالت دموعه بأكثر غزارة.
وبعد أن قبل "وليم" المسيح كمخلص له، ظل معه الخادم أكثر من ساعة أخرى ليحفظه مزمور 23 "مزمور الراعي" وتركه بعد أن صلى لأجله.
وبعد أربعة أيام كان "وليم" ينام في سلام وهو يردد أحلى الأنغام {إن سرتُ في وادي ظل الموت لا أخاف شرًا لأنك أنت معي} قالها بابتسامة هادئة وعبَر وادي ظل الموت وتقابل مع الراعي المجيد على الشاطئ الآخر في الفردوس.
صديقي .. صديقتي، هل ضللت مثل "وليم" وخروفه الضال؟ تعال الآن إلى المسيح الذي مات لأجلك فهو ما زال يُحبك ويبحث عنك لأنه:
1. الراعي الصالح: الذي بذل نفسه عن الخراف عندما مات على الصليب (يوحنا 11:10).
2. راعي الخراف العظيم: الذي سيهتم بك طوال رحلة الحياة فهو أرق حبيب (عبرانيين 20:13).
3. رئيس الرعاة: الذي سيأتي ويأخذنا عنده ويكافئنا في المجد عن قريب (بطرس الأولى 4:5).
فلماذا تعطي حياتك للشيطان وهو السارق الذي لا يأتي إلا ليسرق ويذبح ويهلك؟ (يوحنا11:10) لهذا أنا أناشدك أن تعطيها للرب يسوع الذي ضحى لأجلك فهل تصلي معي الآن في نفس المكان الذي تقرأ فيه هذا الكلمات؟
صلاة:
أيها الراعي القدير ..
يا من سُمرت لأجلي بالمسامير ..
ارحمني من ماضيّ الشرير
واحملني طوال المسير
حتى أصل للبيت المنير ..
آمين.