سماح لأجل الجراح
وُلد "أوليفر كروموِيل" Oliver Cromwell في 25 أبريل 1599م وكان قائدًا عسكريًا، وسياسيًا إنجليزيًا شهيرًا. وقد وصفه الكثير من منتقديه بالدكتاتور. ويُعرف بأنه بقيادته القوية جعل إنجلترا وكأنها جمهورية وليست ملكية. وقاد "أوليفر كرومويل" كومنولث إنجلترا. وتوفي في 3 سبتمبر 1658م.
في عهد "أوليفر كرومويل" تم اكتشاف خيانة أحد الضباط، وأجريت له محاكمة عسكرية سريعة على عجل، وحكم على الضابط بالاعدام رميًا بالرصاص، في السادسة من صباح اليوم التالي، عندما يدق جرس الكنيسة الكبيرة في المدينة. ووقع "كرومويل" وثيقة الإعدام.
كانت زوجة هذا الضابط الذي حُكم عليه بالإعدام تحبه جدًا ولم تستطع أن تتصور الدنيا بدونه. وأيضًا لأنها كان معها أطفال، فشعرت بمراره فقدهم لأبيهم مبكرا في طفولتهم.
لهذا توجهت هذه الزوجة الـمُحِبَّة "لأوليفر كرومويل"س وجثت عند قدميه في تذلل وانكسار طالبة العفو عن زوجها، لأجلها ولأجل أطفالها. ولكن "أوليفر كرومويل" لم يكن يعرف إلا العدل .. العدل دون عواطف. لهذا أجابها في عنف وصرامة:
- «زوجك خائن للوطن أيتها السيدة، خائن لبريطانيا العظمى! هل تدركين معنى خيانة بريطانيا العظمى أيتها السيدة؟ غدًا عندما يدق جرس الكنيسة في السادسة صباحا سيُعدم زوجك رميا بالرصاص».
وقبل أن يأتي الصباح الباكر، وبينما الظلام باق، كانت تلك المرأة الحزينة التعسة تمشي منحنية القلب بخطوات مسرعة نحو الكنيسة الكبيرة، وإن كان اليأس كثيرًا ما جعل خطواتها تترنح وتتعثر، إلا أنها وصلت باكرًا إلي الكنيسة، وصعدت إلى الجرس الأكبر واختبأت هناك.
في تمام الساسة صباحًا، كان خادم الكنيسة الشيخ المُسنّ الذي ضعف بصره وسمعه جدًا، يُمسك بحبل الجرس ليدقه. وبسرعة وضعت هذه الزوجة الحبيبة يديها بين القطعة الحديدية الكبيرة - التي تسمى لسان الجرس - وبين الناقوس الذي على جانبه، وعندها دق الخادم الجرس، لكن أحدًا لم يسمع صوت الجرس، فبدلاً من أن يدق اللسان الحديدي الثقيل جانبي ناقوس الجرس، دق يدي تلك الزوجة الـمُحِبَّة ..
استمر الخادم العجوز يدق الجرس لمدة خمس دقائق، بينما استمرت الزوجة المضحية مثبتة يديها بين اللسان والناقوس. دق الجرس هاتان اليدان الناعمتان المخلصتان وسحقهما، بل وجعل لحمهما وعظمهما فُتاتا مخلوطًا بالدماء الغزيرة، حيث يصعب التميز بين العظام واللحم والدم المتجلط في اليدين الممزقتين، بل المهروستين تمامًا.
كانت الدموع تسيل بغزارة علي خدي الزوجة الـمُحِبَّة، لكنها استطاعت أن تتحمل وتكتم صراخها داخلها، رغم الألم المبرح، لأنها كانت تتحمل ذلك حتى لا يظهر أي صوت للجرس أو لصراخها، حتى لا يطلقوا النار على زوجها. ولما انتهى الخادم العجوز من دق الجرس، نزلت الزوجة مسرعة والدماء تسيل من يديها بغزارة، فذهبت إلي "كرومويل" ومدت أمامه يديها المسحوقتان، اللتان صارتا قطعتان من اللحم المهروس بالعظم، والدماء تسيل منهما بغزارة. وقالت له:
- «سيدي، لقد أمرتَ أن يُطلقوا الرصاص علي زوجي عندما يدق جرس الكنيسة في السادسة صباحًا, ها جرس الكنيسة لم يدق في السادسة صباحا، إذ أنه دق يديَّ اللتان فقدتهما إلي الأبد. فهل تسامح زوجي لأجل هاتين اليدين المسحوقتين؟»
تأثر "أوليفر كرومويل" جدًا - رغم طبيعته العسكرية الفولازية - وأجابها:
- «أيتها السيدة العظيمة، لأجل محبتك وتضحيتك، اذهبي بسلام مع زوجكِ! لقد عفوت عنه بحق تلك اليدين المجروحتين!»
صديقي القاريء العزيز .. صديقتي القارئة العزيزة، ما أقوى المحبة! مكتوب عنها {لأَنَّ الْمَحَبَّةَ قَوِيَّةٌ كَالْمَوْتِ. الْغَيْرَةُ قَاسِيَةٌ كَالْهَاوِيَةِ. لَهِيبُهَا لَهِيبُ نَارِ لَظَى الرَّبِّ. مِيَاهٌ كَثِيرَةٌ لاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْفِئَ الْمَحَبَّةَ وَالسُّيُولُ لاَ تَغْمُرُهَا. إِنْ أَعْطَى الإِنْسَانُ كُلَّ ثَرْوَةِ بَيْتِهِ بَدَلَ الْمَحَبَّةِ تُحْتَقَرُ احْتِقَارًا} (نشيد8: 7) فإن كانت الحرارة تقاس بالدرجة المئوية والمسافة بالكيلومتر والزلازال بالريختر، فمقياس المحبة التضحية والتعب لأجل المحبوب .. {... تَعَبَ مَحَبَّتِكُمْ} (1تسالونيكي1: 3)
نحن حكمنا على هذه السيدة بأنها تحب زوجها، لأنها ضحَّت بيديها لأجله. لكن دعني أذكرك بمن في محبته لي ولك ضحَّى بالكل, كل جزء من جسد الرب يسوع كان يتألم ويحكي عن محبته العملية الصادقة لي وهو هناك على الصليب. لقد ذُبح المسيح، تأمل في كلمة ذبح! {لأَنَّ فِصْحَنَا أَيْضًا الْمَسِيحَ قَدْ ذُبِحَ لأَجْلِنَا} (1كورنثوس5: 7)
فوجهه قد سالت منه الدماء بسبب الحزن الرهيب, وأيضا الضرب والنتف {وَإِذْ كَانَ فِي جِهَادٍ كَانَ يُصَلِّي بِأَشَدِّ لَجَاجَةٍ وَصَارَ عَرَقُهُ كَقَطَرَاتِ دَمٍ نَازِلَةٍ عَلَى الأَرْضِ} (لوقا22: 44) {بَذَلْتُ ظَهْرِي لِلضَّارِبِينَ وَخَدَّيَّ لِلنَّاتِفِينَ. وَجْهِي لَمْ أَسْتُرْ عَنِ الْعَارِ وَالْبَصْقِ} (إشعياء50: 6) وكل رأسه وجبينه تمزق بالأشواك .. {وَضَفَرَ الْعَسْكَرُ إِكْلِيلاً مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَى رَأْسِه} (يوحنا19: 2) وبعدها كانو يضربونه على الشوك على رأسه, {وَضَفَرُوا إِكْلِيلاً مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَى رَأْسِهِ وَقَصَبَةً فِي يَمِينِهِ. وَكَانُوا يَجْثُونَ قُدَّامَهُ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِهِ قَائِلِينَ: «ﭐلسَّلاَمُ يَا مَلِكَ الْيَهُودِ!» وَبَصَقُوا عَلَيْهِ وَأَخَذُوا الْقَصَبَةَ وَضَرَبُوهُ عَلَى رَأْسِهِ} (مت27: 29) وعلى كل ظهره وبطنه العاري بضربات السياط الرهيبة في الجلد, {فَحِينَئِذٍ أَخَذَ بِيلاَطُسُ يَسُوعَ وَجَلَدَهُ} (يوحنا19: 1) {عَلَى ظَهْرِي حَرَثَ الْحُرَّاثُ. طَوَّلُوا أَتْلاَمَهُمْ} (مزمور129: 3) آه ما أقسى المسامير التي جرحت يديه ورجليه! كما قال توما {إِنْ لَمْ أُبْصِرْ فِي يَدَيْهِ أَثَرَ الْمَسَامِيرِ وَأَضَعْ إِصْبِعِي فِي أَثَرِ الْمَسَامِيرِ وَأَضَعْ يَدِي فِي جَنْبِهِ لاَ أُومِنْ. وَبَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ كَانَ تلاَمِيذُهُ أَيْضًا دَاخِلاً وَتُومَا مَعَهُمْ ... ثُمَّ قَالَ لِتُومَا: «هَاتِ إِصْبِعَكَ إِلَى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَيَّ وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي وَلاَ تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِنًا».أَجَابَ تُومَا: «رَبِّي وَإِلَهِي»} (يوحنا20: 25-27) وماذا نقول عن آلام نزع الثياب عنه، من على جلده الممزق والدماء تسيل منه, {وَبَعْدَ مَا اسْتَهْزَأُوا بِهِ نَزَعُوا عَنْهُ الرِّدَاءَ وَأَلْبَسُوهُ ثِيَابَهُ وَمَضَوْا بِهِ لِلصَّلْبِ} (لوقا23: 31)
حتى بعد أن ماتَ جُرح المسيح! {وَأَمَّا يَسُوعُ فَلَمَّا جَاءُوا إِلَيْهِ لَمْ يَكْسِرُوا سَاقَيْهِ لأَنَّهُمْ رَأَوْهُ قَدْ مَاتَ. لَكِنَّ وَاحِدًا مِنَ الْعَسْكَرِ طَعَنَ جَنْبَهُ بِحَرْبَةٍ وَلِلْوَقْتِ خَرَجَ دَمٌ وَمَاءٌ ... لأَنَّ هَذَا كَانَ لِيَتِمَّ الْكِتَابُ الْقَائِلُ: «عَظْمٌ لاَ يُكْسَرُ مِنْهُ». وَأَيْضًا يَقُولُ كِتَابٌ آخَرُ:«سَيَنْظُرُونَ إِلَى الَّذِي طَعَنُوهُ»} (يوحنا19: 34)
في حبه لكي يعفو عنا، بذل الرب يسوع المسيح آخر قطرة دم, هذا كله بالإضافة للآلام النفسية والكفارية الرهيبة التي اجتاز فيها لأجلك ولأجلي. {وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا} (إشعياء53: 5) فهل تأتي الآن إليه وأنت تقرأ هذه المقالة، ليعفو عنك ويسامحك؟ هل تصلي معي؟
صلاة:سامحني واعفُ عني يا من لأجلي قد جرحت ..وسمرت بالمسامير وسحقت .. لأُقَدِّر حبك الذي به لأجلي قد مت .. آمين