لماذا نهاجر؟ ولماذا لا نهاجر؟

تحدثت معكم من قبل عن موضوع الاضطهاد، وهل هو موجود؟ أم أننا نزعم وجوده؟ وكنت خلال حوارى فى هذا الموضوع أتعمد أن أعرف من الشباب الذين يشعرون بالاضطهاد، هل الحل له هو الهجرة للخارج؟ فبعضهم كان مع هذا الرأى والبعض معارض له حتى فى حالة وجود الاضطهاد.
إذاً فالاضطهاد ليس هو السبب (على الأقل الوحيد) للسفر والهجرة، فماذا هو السبب إذن؟
هل هو البحث عن الحياة المرتاحة؟ هل هو البحث عن الأموال الكثيرة؟ هل هو هروب من الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية السيئة التى نعيش فيها؟ هل هو هروب من الزحمة وكتمة النفس؟ أم أن فكرة الهجرة أصبحت تسيطر على تفكيرنا لدرجة أننا لم نعد نفكر فى سبب مقنع يدفعنا إليها؟ أم أن هناك أسباباً أخرى يراها الشباب للهجرة؟ دعونا نتعرف معاً على آراء الشباب فى هذا الموضوع: فلماذا نهاجر؟ ولماذا لا نهاجر؟
جون ناجى: أفكر فى الهجرة، حيث لا أجد لنفسى مكاناً هنا.
رغم أنى سوف أتخرج من كلية محترمة - يقولون عليها أنها إحدى كليات القمة - التى يمكن أن تضمن لى مستقبلاً لا بأس به هنا، ولكنى أجد أن الشىء الكويس لا يمكن إظهاره داخل وسط أساساً مش كويس، فمهما وصلت أو فعلت داخل هذا الوسط، لن أكون راضياً، لذلك فأنا أحب المبدأ المطبق فى الخارج: اتعب كتير، تنجح كتير. ولكن هنا مهما كان مقدار التعب والعمل الذى تقوم به، ستجد أن لديك حدوداً لا يمكنك أن تتجاوزها فى نجاحك، بالإضافة طبعاً لكثرة المعوقات والصعوبات التى سوف تواجهها.
ويرى جون أن المشكلة الوحيدة فى الهجرة والعيش فى أحد الدول الأوروبية هو عاداته الشرقية التى تربى عليها، وأنه سوف يجد صعوبة فى التعامل مع الناس الذين يخرجون عن كل هذه العادات، ولكنه يرى أنه يستطيع أن يتجاوز هذه المشكلة داخل الوسط الذى سوف يعيش فيه كأسرته وعمله مثلاً.
يفكر جون فى الهجرة سواء كانت شرعية أو غير شرعية، ويجد أنه فى كلتا الحالتين سيكون أفضل له من البقاء هنا.
مينا وحيد: أنا عن نفسى وباتكلم بكل صراحة، معنديش اى استعداد إنى أسيب مصر وأسافر، رغم سوء الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.. وغيرها، إلا أنى أفضل الوجود فى مصر وعدم السفر للخارج. أنا أعرف ناس كتير سافرت بره ورغم ذلك هم غير سعداء، معاهم فلوس كتير، ولكن يفتقدون جو العائلة، والعلاقات الاجتماعية، ويفتقدون بعض التقاليد التى أشعر أن عدم وجودها كارثة كبيرة.
سارة فايز: لكل مكان مميزاته وعيوبه. فالهجرة لها مميزاتها كالإقامة فى مكان نظيف، والتعامل مع أشخاص أكثر احتراماً، ووجود مستوى مادى مرتفع، واحترام الإنسان لأنه إنسان مش علشان معاه كام أو ابن مين، وتقدر تكون فى يوم من الأيام حاجة وتعمل لنفسك مستقبل باهر. ولكن أيضاً لها عيوبها التى لا يمكننا التغاضى عنها كفقدان الجو الأسرى والعلاقات الاجتماعية، العمل المستمر بدون توقف للحصول على الأموال الكثيرة (وهو ده المطلب الرئيسى)، وإنك بتبعد عن المكان اللى اتربيت فيه والناس اللى قضيت معاهم معظم أوقات حياتك (على فكرة الموضوع ده صعب جداً)، كما أنك لابد أن تعتاد على تغيير الكثير من العادات وأيضاً المبادئ التى تربيت عليها لتستطيع التعايش مع هذا الوسط المختلف.
ولأنى أجد أن لكل مكان مميزاته وعيوبه، لذلك ليس لدى مانع فى البقاء هنا أو السفر للخارج.
هايدى وهيب: الشباب بيبقي معذور لما بيفكروا في الهجرة بسبب يأسهم في الحصول علي عمل مناسب لكن أنا من رأيي إن الرب ممكن يكون عايزنا في مكاننا ده علشان نخدمه، وممكن كمان الشاب يقدر يشتغل ويحقق ذاته من غير هجرة زي ما فيه ناس كتير قدروا يحققوا ذاتهم من غير هجرة بس في الأول والآخر طبعاً لازم نشوف إرادة ربنا قبل ما ناخد أي خطوة في حياتنا.
مايكل نظيم: طبعاً نفسى أهاجر، هو فى حد نفسه يفضل فى البلد دى (أى حد يقول كده يبقى بتاع كلام وشعارات) هو فى إيه هنا يخلينا نفضل: الأسعار اللى كل يوم بتزيد، ولا المرتبات اللى مش بتتحرك لفوق أبداً (ممكن تقل مفيش مشكلة)، ولا الزحمة اللى فى كل مكان، ولا التلوث بكل أنواعه، وعدم الاحترام اللى بنشوفه فى كل مكان طول الوقت، وأكتر حاجة غريبة بقى إن كل واحد حاسس إنه الوحيد اللى فاهم كل حاجة وباقى الناس كلهم أغبياء رغم إنه يمكن يكون أغباهم، ولا الأحوال السياسية اللى بصراحة تخليك عمرك متفكر تسيب البلد، كله بيضحك على كله، وفى الآخر الكبار يفضلوا كبار واحنا ننداس بالرجلين، ولا الأحوال الاقتصادية، تبقى بتشتغل 12 ساعة فى اليوم وتاخد 300 جنيه (يادوب يكفوك أكل لوحدك وعيش حاف كمان) ولا الشقق اللى تلاقيها فى كل حتة، ولا.. ولا.. ولا.. لو قلنا مش هنخلص.
تعالى كده فى آخر اليوم وشوف إيه اللى حصل معاك طول اليوم، لو لقيت فيه حاجة واحدة تخليك تفضل هنا، يبقى استمر هنا (أوعدك مش هتلاقى).
آه، أنا مستعد أسافر بأى شكل سواء هجرة شرعية أو غير شرعية.
راندا خلف: أجد أن مشيئة الرب فى حياتى هى التواجد هنا فى المكان اللى أنا موجودة فيه، ولكنى فى نفس الوقت لا أعترض على فكرة الهجرة، فإذا أراد الرب وجودى فى مكان آخر فهو سوف يرتب ذلك دون أن أسعى إليه، بالإضافة أنى متخوفة من بعض العادات والتقاليد للدول الأوروبية التى يمكن أن تأثر على حياتى. وبعد كده لو كلنا سبنا البلد، مين اللى هيقعد فيها؟ سؤال ختمت به راندا حوارها معى.
بيشوى بنيامين: "مصر بتكرهنا فى نفسها" رغم أن طبيعة شخصيتى أننى محب للعائلة والأصدقاء والناس، لكن مع ذلك لا أجد لنفسى مكاناً داخل بلدى، لما فكرت شوية لقيت قدامى حل من اتنين: أفضل فى مصر وابقى حرامى عشان أقدر أعيش، أو أسيب البلد واهاجر، ولإنى مش عايز ابقى حرامى، خدت قرار الهجرة.
ويجد بيشوى أن من عيوب الهجرة التعامل مع شعوب أقل ذكاءاً وخبرة، حيث ينوى بيشوى السفر الى إحدى الدول العربية.
ولكن بيشوى يرى أن الهجرة إذا كانت غير شرعية سيلغى التفكير فيها تماماً.
ساندرا جيد: أنا باشعر إن فى مشكلة كبيرة فى الهجرة، بالنسبة لى لا يمكن أن أتغاضى عنها، وهى الأمور الروحية، يمكن يكون فى مميزات كتيرة فى الهجرة ولكنى أرى أن كل من يسافر إلى الخارج ونتيجة الانشغال بالأمور العالمية وجمع الأموال، فإنه لا يستطيع التكملة فى مستوى روحى مرتفع بل غالباً يهبط مستواه الروحى مع الوقت، إلى أن يصبح فى معظم الأحيان ( ده لو فضل يعنى) الذهاب للكنيسة مرة فى الأسبوع، وأظن أن هذا فقط لإرضاء ضميره. لذلك أنا لا أفضل الهجرة ولا أقبلها نهائياً بأى شكل.
فى النهاية أريد أن أختم معكم حوارى بهذه القراءة الكتابية: "وقال الرب لابرام اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التى أريك" تك12: 1.
ففى هذه القراءة نجد الرب يطلب من ابرام (إبراهيم) أن يترك أرضه والمكان الذى اعتاد عليه، ومكان عمله، وأن يترك أملاكه وأراضيه وكل ما لديه ويذهب إلى أرض جديدة (حتى ميعرفش هى فين أو فيها إيه).
ومع ذلك نجد ابرام يسمع ويستجيب لكلام الرب، ونكمل بعد ذلك قصة إبراهيم ونرى كيف تعامل الله معه وباركه وبارك نسله.
وعلى النقيض نجد يونان يطلب منه الرب أن يذهب إلى نينوى ولكنه يرفض، ويأخذ سفينة ذاهبة إلى ترشيش، ولكن نرى بعد ذلك أيضاً كيف تعامل الله مع يونان، إلى أن عاد مرة أخرى إلى نينوى.
لم أقصد ان أجعل الموضوع موضوعاً روحياً. ولكنى أردت القول: إن وجودك فى المكان الذى يريدك الله فيه يضمن لك الراحة والسعادة، ولكن وجودك فى مكان آخر لا يريدك الله فيه - نتيجة سعيك إليه فى كثير من الأحيان - لا يجعلك سعيداً أبداً. لذلك لا تنظر لغيرك وتأخذه مثالاً تقتدى به، بل اجعل نفسك أكثر مرونة فى يد الله، ودعه يختار لك المكان المناسب، وأن يكمل خطته معك بالطريقة التى يراها هو. وكن واثقاً أن الله يريد دائماً الخير لك، وكن أكثر ثقة لأن الله هو الوحيد الذى يعرف هذا الخير.
"ضع نفسك بين يدى الله" وفى ذلك الوقت ستجد إجابة واضحة لسؤالى "لماذا نهاجر؟ ولماذا لا نهاجر؟"

[i][b]موضوع شيق [/b][/i]