المسيحيين ينقسمون إلى ثلاثة أنواع:
مسيحيون إسميون.
ومسيحيون متدينون.
ومسيحيون مؤمنون.
( 1 ) المسيحيون الإسميون :
نستطيع أن نسميهم المسيحيين بالوراثة: وهم أولئك الذين ولدوا من أبوين مسيحيين وأطلق عليهم أسماء مسيحية، وأحياناً يتهربون منها فيختارون أسماء مشتركة تبعد عنهم شبهة المسيحية!! وكل ما يربطهم بالمسيحية وجود كلمة (مسيحي) في خانة الديانة بشهادة الميلاد أو البطاقة الشخصية ... أما حياتهم وسلوكهم فلا تمت للمسيحية بصلة. فهم لا يعرفون باب الكنيسة اللهم إلا في المناسبات عندما يحضرون إكليلاً أو جنازة أو ليالي الأعياد.
وهم لا يقرءون الكتاب، ولا يرفعون الصلوات ... أفنقول عن هؤلاء أنهم مؤمنون ؟! كلا. بل هم مسيحيون إسميون بالوراثة. مثل هؤلاء قيل عنهم "لك اسم أنك حي وأنت ميت" (رؤ3: 1). والنوع الثاني من المسيحيين هم:
(2) المسيحيون المتدينون:
ويمكن أن نسميهم المسيحيين المظهريين وهؤلاء يكتفون بممارسة شكلية العبادة دون فاعلية الإيمان في حياتهم. وهم يمتازون عن الفئة السابقة بأنهم يواظبون على الذهاب إلي الكنيسة، ويصلون ويصومون ويتصدقون ويسمعون الكلمة ولكنهم لا يفهمونها. وقد شبه السيد المسيح هذه الفئة في مثل الزارع بالطريق إذ قال: "كل من يسمع كلمة الملكوت ولا يفهم فيأتي الشرير ويخطف ما قد زرع في قلبه. هذا هو المزروع علي الطريق." (مت13: 19).
وفي إنجيل معلمنا مرقس البشير نقرأ ذلك في أسلوب آخر فيقول: "وهؤلاء هم الذين علي الطريق. حيث تزرع الكلمة وحينما يسمعون يأتي الشيطان للوقت وينزع الكلمة المزروعة في قلوبهم." (مر4: 15).
ومعلمنا لوقا البشير يصيغها في أسلوب آخر فيقول: "الذين على الطريق هم الذين يسمعون ثم يأتي إبليس وينزع الكلمة من قلوبهم لئلا يؤمنوا فيخلصوا." (لو12:8).
وبمقارنة هذه الأقوال التي ذكرها البشيرون الثلاثة نستخلص صفات هؤلاء المسيحيين الاسميين المظهريين، فنجد أنهم:-
يسمعون الكلمة
ولا يفهمونها
ينزعها إبليس منهم
فلا يؤمنون
ولا يخلصون
فهل نستطيع أن نطلق عليهم أنهم مؤمنون؟ والسيد نفسه يقول "لئلا يؤمنوا فيخلصوا" (لو12:8).
وبالرغم من أنهم غير مؤمنين نراهم يتبعون المسيح ويسمعون الكلمة، لهذا فيمكن تسميتهم مسيحيين متدينين وليسوا مؤمنين.
وبكل حسرة أقول أن هناك نسبة كبيرة من شعبنا يتبعون هذا النوع إذ نجد الكنائس مزدحمة بالناس في أيام الآحاد والأعياد والمناسبات، ولكنهم مظهريون، وليس للإيمان نصيب في قلوبهم، يسمعون كلمة الوعظ ولكنهم لا يحاولون فهمها أو تطبيقها في حياتهم، بل يخرجون من الكنيسة تماماً كما دخلوا. مكتفين بتخدير ضمائرهم أنهم حضروا الكنيسة!! وانطبق عليهم قول الرسول "لهم صورة التقوى ولكنهم منكرون قوتها" (2تى5:3).
هذا عن المسيحيين الاسميين والمسيحيين المتدينين، بقى أن نتكلم عن الفئة الثالثة من المسيحيين وهم:
(3) المسيحيون المؤمنون:
وهؤلاء أيضا ينقسمون إلى فئات ثلاث فنرى من بينهم:-
المؤمن العقلي.
والمؤمن العاطفي.
والمؤمن القلبي الروحاني.
( أ ) المؤمن العقلي:-
وهو المشار إليه في مثل الزارع بالأرض المحجرة، التي تشير إلى تربة القلب الحجرية، فالسيد يقول: "المزروع على الأماكن المحجرة هو الذي يسمع الكلمة وحالا يقبلها بفرح، ولكن ليس له أصل في ذاته بل هو إلى حين. فإذا حدث ضيق أو اضطهاد من أجل الكلمة فحالا يعثر" (مت20:13،21).
ومعلمنا لوقا البشير يصيغها في أسلوب آخر فيقول: "الذين على الصخر هم الذين متى سمعوا يقبلون الكلمة بفرح. وهؤلاء ليس لهم أصل فيؤمنون إلى حين، وفي وقت التجربة يرتدون." (لو13:8). وبمقارنة أقوال البشيرين نستطيع أن نستخلص صفات هذا النوع من المؤمنين:-
يسمعون الكلمة
يقبلونها بفرح
يؤمنون إلى حين
يرتدون
ولعلك تلاحظ يا أخي أنهم يؤمنون إلى حين ثم يرتدون ارتداداً دائما لأن قلوبهم حجرية لم تتأثر بالكلمة وإنما كان قبولهم للكلمة قبولا عقلياً، وإذ صادفتهم التجارب ينسون ما سمعوه ويرتدون إلى حالتهم الأولى.
هؤلاء نستطيع أن نسميهم مؤمنين لأن المسيح قال عنهم "يؤمنون إلى حين" لأنه في هذا الحين الذي كانوا فيه مؤمنين لا نستطيع أن نميز إن كان إيمانهم دائما أم هو إلى حين! إذ هو مصحوب بالفرح. ولكن الله الذي يفحص القلوب يعرف انهم أمام التجربة سيرتدون.
كم من أناس عندما نكلمهم عن المسيح يقبلون الكلام بفرح ويؤمنون فعلا بذلك، ولكننا نحزن كثيراً عندما نراهم قد ارتدوا إلى ما كانوا عليه أولاً، انهم المؤمنون العقليون الذين ما زالت قلوبهم متحجرة، فما لم يسلموا حياتهم للرب لينزع قلوبهم الحجرية ويعطيهم قلب لحم (حز19:11) لا يمكن أن يخلصوا.
( ب ) المؤمن العاطفي :
وهو المشبه في مثل الزارع بالأرض المليئة بالأشواك. فقد قال السيد المسيح "هؤلاء هم الذين زرعوا بين الشوك. هؤلاء هم الذين يسمعون الكلمة وهموم هذا العالم وغرور الغنى وشهوات سائر الأشياء تدخل وتخنق الكلمة فتصير بلا ثمر" (مر19:4).
ولوقا البشير يقول عنهم "يسمعون ثم يذهبون فيختنقون من هموم الحياة وغناها ولذاتها ولا ينضجون ثمراً" (لو14:8).
من هذا نستطيع أيضا أن نستخلص صفات هذا المؤمن العاطفي.
يسمع الكلمة.
يخنق الكلمة بالهموم والغرور.
والشهوات واللذات.
فلا يثمر.
هذا النوع من المؤمنين هم عاطفيون فعندما يسمعون الكلمة يتأثرون بها ويؤمنون ثم عندما يذهبون (لو14:8) أي يبتعدون عن المجال الروحي تتغير عواطفهم فيتأثرون بالهموم والغنى ويسمحون للشهوات والملذات أن تدخل في حياتهم (مر19:4) وعندئذ تموت الكلمة ولا يأتون بثمر (لو14:8) والكتاب المقدس يقول "كل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تقطع وتلقى في النار" (مت10:3) ورب المجد نفسه قال "كل غصن في لا يأتي بثمر ينزعه." (يو2:15).
ولماذا ندرج هذا النوع إذن ضمن المؤمنين؟!
إننا ندرجه ضمن المؤمنين لأنهم يؤمنون إلى حين (لو13:8) وفي هذا الحين يتراءون لنا كأنهم مؤمنون تماما إذ يسمعون الكلمة ويقبلونها … فكثيرا ما يصادفنا في خدمتنا هذا النوع المتقلب العواطف … فعندما يقبلون الكلمة نفرح بهم ونحسبهم في عداد المؤمنين، أما الله كاشف السرائر الذي كل شئ مكشوف وعريان أمامه يعلم نهايتهم أنهم سوف يختنقون (لو14:8) ولا يرجى لهذا النوع خلاصاً إن لم يركزوا عواطفهم في المسيح يسوع.
( ج ) المؤمن القلبي الروحاني :
هذا المؤمن الروحاني الذي قبل الرب في حياته فادياً ومخلصاً وملكاً. وقد شبهه السيد في مثل الزارع بالأرض الجيدة فبحسب رواية معلمنا متى البشير نقرأ عنه : "المزروع على الأرض الجيدة فهو الذي يسمع الكلمة ويفهم، وهو الذي يأتي بثمر، فيصنع بعض مائة وآخر ستين وآخر ثلاثون" (مت23:13).
وبحسب رواية مرقس الرسول نقرأ "هؤلاء هم الذين زرعوا على الأرض الجيدة، الذين يسمعون الكلمة ويقبلونها ويثمرون واحد ثلاثون وآخر ستين وآخر مائة (مر20:4).
وفي إنجيل معلمنا لوقا نقرأ "الذي في الأرض الجيدة هم الذين يسمعون الكلمة فيحفظونها في قلب جيد صالح ويثمرون بالصبر." (لو15:8).
فمن أقوال البشيرين الثلاثة نرى صفات المؤمن القلبي الروحاني:
* يسمع الكلمة (مت23:13)
* يقبلها (مر20:4)
* يفهمها (مت23:13)
* يحفظها في قلبه (لو15:8)
* يثمر بالصبر (لو15:8)
لماذا نسمى هذا النوع بالمؤمن القلبي؟
نسميه كذلك لأن السيد نفسه يقول عنهم أنهم "يحفظون الكلمة في قلب جيد صالح (لو15:8).
ولأن بولس الرسول يحدد مركز الإيمان الحقيقي وهو القلب عندما قال "لأن القلب يؤمن به للبر والفم يعترف به للخلاص" (رو10:10).
ولأن الأيمان إذا دخل إلى القلب غيره كلية إذ يقول الرب "أعطيكم قلباً جديداً وأجعل روحا جديدة في داخلكم وانزع قلب الحجر من لحمكم وأعطيكم قلب لحم" (حز26:36).
وقال أيضا "أعطيهم قلبا ليعرفوني أني أنا الرب فيكونون لي شعباً وأنا أكون لهم إلهاً لأنهم يرجعون إلى بكل قلوبهم" (أر7:24).
ولهذا فإن داود النبى عندما طلب من الرب قال "قلبا نقياً اخلق في يا الله وروحاً مستقيماً جدد في داخلي" (مز10:51).
فالمؤمن القلبي هو ذاك الذي قبل المسيح في الداخل فاصبح ابناً لله "كل الذين قبلوه أعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه" (يو12:1).
والمؤمن القلبي هو ذاك الذي صار "المسيح حياته" (كو4:3) وصار له "فكر المسيح" (1كو16:2). وأخذ طبيعة المسيح "لأننا أعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه"(أف30:5) وحسب له بر وقداسة المسيح "ومنه أنتم بالمسيح يسوع الذي صار لنا من الله حكمة وبر وقداسة وفداء" (1كو30:1). وكما قال بولس الرسول أيضا "جعل الذي لم يعرف خطية، خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه" (2كو21:).
ويعلق على ذلك القديس يوحنا ذهبي الفم قائلاً: [تأمل عظمـة الأشياء التي وهبها الـرب لك. فأنه أمـر عظيم حقا أن يموت خاطئ من أجل آخر. ولكن أي لغـة تستطيع أن تعبر عن عظمة موت البار من أجل الأثمة، ليس ذلك فقط بل أن يحسب أيضا لعنة، وأكثر من هذا هباتـه الغنية المجانية التي ما كنا نتوقعها إذ يقول: إن البار جعل خاطئا لكي يجعل الخاطئ باراً. ولم يقل ذلك فحسـب بل ما هو أعظم بكثير … فلم يقل جعل خاطئا بـل جعل خطية ولم يقل الذي لم يخطئ بل الذي لم يعـرف خطية لكي نصير نحن، لم يقل أبراراً بل قال نصير براً وبر الله لأن هذا هو بر الله إذ قد تبررنا ليس بالأعمال بل بالنعمة وبذلك فإن خطايانا كلها قد محيت.]
(N. & P. Fars 1st Sers. vol. X11 P.334)
هذا النوع من المؤمنين هم الذين قال عنهم بولس الرسول "الذين يحبون الله الذين هم مدعون حسب قصده لأن الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه ... والذين سبق فعينهم فهؤلاء دعاهم أيضا. والذين دعاهم فهؤلاء بررهم أيضا. والذين بررهم فهؤلاء مجدهم أيضا" (رو28:8ـ30).
وقال عنهم بطرس الرسول "المختارين بمقتضى علم الله الآب السابق في تقديس الروح للطاعة ورش دم يسوع المسيح" (1بط1:1،2).
أخي تستطيع إذن الآن أن تفحص نفسك لترى إن كنت مجرد مسيحي اسمي ولم تدخل بعد في دائرة الأيمان؟ أو إن كنت مؤمنا عقليا تؤمن بوجود الله والأقانيم والطقوس والعقائد وتكرم الرب بشفتيك أما قلبك فمبتعد عنه بعيدا وباطلاً تعبده (مر6:7)؟ أم إن كنت مؤمنا عاطفياً متقلباً؟! أم مؤمنا قلبياً حقيقياً صارت لك الطبيعة الجديدة والامتيازات الجليلة التي لأبناء الله؟!!
الدكتور القس / مجدى خلة.