الحشمة
"لايستهن أحد بحداثتك، بل كن قدوة للمؤمنين فى الكلام، فى التصرف، فى المحبة، فى الروح، فى الإيمان، فى الطهارة" (اتى ١٢:٤)
الحشمة هى تسليم وليست مجرد تعليم، بمعنى أن الأولاد والبنات، قبل ما يتعلمون الحشمة، إنما يتسلمونها من والديهم، بغرس مبادئ ومثل فى نفوسهم ،وفى قلوبهم، بحيث لا يمكن أن ﹸتمحى من حياتهم قط، طالما ﹸغ ﹺر ست فى سنين الطفولة المبكرة. وإذا ما أردنا أن نحدد مفهوم الحشمة، فإننا نقول أنها الحدود التى نلتزم بها، فى ظروف حياتنا المختلفة، ويلزم أن يكون أولادنا مقتنعين بهذه المبادئ، وغير مجبرين عليها قط، وإلا تحللوا منها فى أول مناسبة تتاح لهم.
ولا شئ يقنع أولادنا وبناتنا بالحشمة، قدر رؤيتهم لهذه الحشمة فى حياة الوالدين. لذلك كانت قدوة الوالدين لها القوة المؤثرة والمقنعة للأولاد البنات فى قبول المبادئ السلوكية التى تتعلق بالحشمة. وهل يمكن للبنت أن تسلك فى حشمة وهى ترى أمها فى حالة عرى دائم سواء داخل المنزل أم خارجه؟ ولكن المهم ألا يكون هناك أى صراع بين الداخل والخارج، أو بين الأسرة والمجتمع، أو بين مبادئ الإنجيل ومبادئ العالم. وليعلم كل أب وكل أم أن قدوتهم السلوكية هى القوة الساندة التى تضمن استمرار المبادئ فى حياة أولادهم وبناتهم!!
بقى أن يعرف كل شاب، وكل فتاة، ما هو وضعنا فى داخل المجتمع الذى نعيش فيه؟ إننا أبناء اﷲ الغرباء فى هذا العالم، الذين يستعدون للسماء، ولذلك يقول الرسول بولس: "ولا تشاكلوا هذا الدهر، بل تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم" (رو٢:١٢). ولذلك فنحن نقول أننا مدعون لحياة القداسة حسب قول الرسول بولس: " أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذى فيكم، الذى لكم من اﷲ، وأنكم لستم لأنفسكم؟ لأنكم قد أشتريتم بثمن. فمجدوا اﷲ فى أجسادكم وفى أرواحكم التى هى اﷲ" (١كو١٩:٦). إن الحشمة هى تمجيد اﷲ فى أجسادنا التى هى هيكل للروح القدس!!
أنواع الحشمة حشمة الملبس:
الملابس قد جعلت لكى ﹸتغطى الجسد!! ولكن لماذا نغطى الجسد؟ وهل العرى فع ﹰلا علامة الرقى والمدنية؟ وهل جمال المرأة فى أن تعرى جزء من جسدها؟ هنا يقول الرب يسوع المسيح نفسه: " ويل لذلك الإنسان الذى به تأتى العثرة... ومن أعثر أحد هؤلاء الصغار المؤمنين بى، فخير له أن يطوق فى عنقه حجر الرحى ويغرق فى لجة البحر" (مت٦:١٨). وأى عثرة أكثر من تعرى النساء أمام الرجال وأمام الشباب الصغار حتى يوقظ فيهم الغريزة والشهوة فى وقت مبكر!!
إن التعرى مسلك معثر للنساء أمام بناتهن، مما يجعل القدوة تنتفى وتزول!! بل ويجعل كل المبادئ والقيم فى تدهور وانحدار!! وليست الحشمة رداء نرتديه أحيانﹰا ونخلعه أحيانﹰا أخرى، بل هو سلوك دائم مرتبط بشخصية المرأة والفتاة كل حين. إن ما يحدث فى احتفالات سر الزيجة من فقدان الحشمة من بعض النساء والفتيات إنما هو حضور للشياطين وغياب للمسيح!!
حشمة التزين:
"وكذلك أن النساء يزين ذواتهن بلباس الحشمة مع ور ﹴع وتعقٍلٍ لا بضفائر أو ذهب أو لآلئ أو ملابس كثيرة الثمن بل كما يليق بنساء متعاهدات بتقوى اﷲ بأعمال صالحة" (١تيمو٩:٢، ١٠) إن المغالاة فى التزين والاصباغ إنما هو محاولة لجذب الأنظار بطرق مختلفة. ولذلك يقول الرسول بطرس: "ملاحظين سيرتكن الطاهرة بخوف. ولا تكن زينتكن الزينة الخارجية، من ضفر الشعر، والتحلى بالذهب ولبس الثياب..." (١بط ٣:٣-٤).
المقصود هو المغالاة فى جذب الأنظار بكافة الطرق والوسائل. وأريد أن أسال النساء المتزوجات لمن نتزين؟ هل للزوج أم للناس؟ إن كان للزوج فلماذا لا يكون التزين فى المنزل؟ وإن كان للناس، فإنها محاولة لجذب أنظار الغرباء، وهو إهمال فى حق الأزواج.. وإن المغالاة فى التزين والعطور إنما ينطبق على الشباب مثل الفتيات!!
حشمة الكلام والسماع:
إن الكلام يجب أن يكون بما يليق وللبنيان، حسب قول الرسول بولس: "ولا تخرج كلمة ردية من أفواهكم، بل كل ما كان صالحﹰا للبنيان، حسب الحاجة ،كى يعطى نعمة للسامعين" (أف٢٩:٤). ولذلك يحذرنا الرسول بولس من "كلام السفاهة، والهزل الذى لا يليق" (أف ٤:٥). ومثال ذلك كلام الهزل، والفكاهة البذيئة، والسخرية من الآخرين، والنكت الجنسية الخليعة، وكلمات الغزل والمديح التى تتعدى الحدود فى الجنس الآخر. وكلمات هابطة عن الجنس والخطية والشهوة. ولعل هذا ما يقصده الرسول بولس حين يقول: "إمتنعوا عن كل شبه شر" (اتس٢٢:٥).
ومع الكلام يأتى السمع أيضﹰا، بأن سماع كلام الهزل والسفاهة، يعتبر أيضﹰا كسر لوصية الحشمة. وهناك ما يسمى (زنا الأذن) حين تتلذذ بسماع الكلام الذى لا يليق (أليس هذا ما يحدث أحيانﹰا بين الشباب والفتيات على الأنترنيت) ويدخل فى حشمة الأذن، عدم سماع ما يليق فى برامج التلفزيون المنحدرة والهابطة!! ولذلك يقول المزمور: "فى طريق الخطاة لم يقف، وفى مجلس المستهزئين لم يجلس" (مز١:١).
حشمة العلاقات:
لقد حدد الرسول بولس علاقاتنا مع الآخرين هكذا: "والأحداث كأخوة، والعجائز كأمهات، والحدثات (الفتيات) كأخوات بكل طهارة" (اتى٢:٥) وهنا يدخل
موضوع ال Boy Friend وال Girl Friend وكذلك موضوع ال Prom الذى يحدث فى حفلات التخرج والنكات التى تحدث أثناء هذه العلاقات!! وأخطر من هذا العلاقات من الأزواج والزوجات لغير شريك الحياة!! لذلك يجب أن تكون جميع العلاقات عامة وليست فى السر والظلام، حتى لو كانت مع مستوى المكالمات التليفونية!! ويجب أن تكون جميع العلاقات فى إطار الطهارة والأخوة والإحساس بوجود المسيح فى الوسط!!
حشمة النظر:
يقول الرب يسوع المسيح: "إن كل من ينظر إلى إمرأة ليشتهيها فقد زنى بها فى قلبه" (مت٢٨:٥) ونظرة الاشتهاء من الرجل إلى المرأة تساويها تمامﹰا نظرة الاشتهاء من المرأة للرجل!!
ويدخل فى حشمة النظر أيضﹰا فى عدم تلوث النظر برؤية ومشاهدة الصور والمجلات الخليعة، والأفلام الجنسية الهابطة، التى لا هم لها سوى إثارة الغريزة والشهوة بطريقة منحرفة!! ومع حشمة النظر تدخل حشمة الحواس كلها، وخاصة حاسة اللمس. ولذلك يجب أن نضع حدودﹰا للحواس، وأن يكون كل شئ بلياقة!!
حشمة القراءة والكتابة:
يجب أن نحسن ما نقرأه، ولا نقرأ إلا ما هو مفيد سواء روحيﹰا، أو اجتماعيﹰا، أو ثقافيﹰا. لأن هناك قراءات خليعة وبذيئة، وعلى الذين يكتبون أن يلاحظوا الا يكتبوا شيئﹰا ضد الحشمة والأخلاق والمثل!! ويدخل أيضﹰا فى حشمة الكتابة، عدم تعدى حدود الياقة فى الكتابة للآخرين، وأن يكون ما نكتبه للآخرين فى حدود الطهارة والوقار!!
حشمة الاحتفاظ بالرجولة والأنوثة:
بدأنا نلاحظ فى هذه الأيام إختلاط الأدوار، بل اختلاط كل شئ بخصوص الرجولة والأنوثة!! وكأن كل نوع يريد أن يبادل النوع الأخر هويته. وليس هذا فقط فى الملابس كما قال الكتاب المقدس:" ولا يكون متاع رجل على إمرأة ،ولا يلبس رجل ثوب إمرأة، لإن كل من يعمل ذلك يكون مكروه لدى الرب إلهك" (تث ٥:٢٢). ولكن فى أشياء كثيرة ابتدأ الشباب يسلكها كالفتيات، وبدأت البنات يسلكن كالبنين. وهل يليق أن يلبس الشباب حلق الفتاة أو يرخى شعره؟ حشمة الاحتفالات:
احتفالات الخطوبة والزواج والتخرج وأعياد الميلاد، يجب أن تكون احتفالات روحية خالصة. أو احتفالات اجتماعية فى حدود عدم كسر وصية الحشمة والاتزان والوقار. لقد حذرنا القديس يوحنا فم الذهب من الاحتفالات الماجنة، حيث الموسيقى الصاخبة الرخيصة، والرقص، والغناء العالمى، والكلام السفيه، وحذرنا من تلك الأمور التى تجعل المسيح يغيب عن احتفالات، وتحضر الشياطين وتتسلط!!
حشمة الكنيسة:
إن الكنيسة هى بيت اﷲ، يجب أن يكون له كل الاحترام والمهابة!! هى بيت الصلاة، ومكان اللقاء مع اﷲ، يجب أن ندخل بكل احترام ومهابة، فى الملابس، وفى التزين، وفى كل شئ!! لا يليق أن نتعرى فى الكنيسة أثناء سر الزيجة ويجب أن نتناول الأسرار بلا أصباغ وخصوصﹰا على الشفتين!! إن الكنيسة لها احترامها وقدسيتها، الأسرار لها هيبتها وسلوكها!!
وفى النهاية نقول إن الحشمة هى سلوك وقدوة!! نسلمه لأولادنا وبناتنا!! ونحن نصلى ونطلب لهذا الجيل أن يعطيهم اﷲ صبر وحكمة حتى يسلكوا بما يليق لكى يرضوا الرب!! وإلى اللقاء فى رسالة مقبلة عن التربية الأسرية. وأرجو أن تذكرنى فى صلاتك أيها القارئ العزيز.
الدكتور القس / مجدى خلة