هي مهنة من أقدم المِهَن التي عرفها الجنس البشري من قديم الأيّام. اختلف البعض حول منعها أوالسّماح والاعتراف بها، أو هل هي حلال أم حرام بل جريمة.....
وما بين مُؤيِّد ومُعارِض مازالت الدّوائر تدور!.يُمارسها البعض في الخفاء إحراجاً وخجلاً أو خوفاً. بينما يُطالب البعض باعتبارها مهنة مثل أيّ مهنة أُخرى يتكسّب منها الإنسان. فإن كانت كذلك فما أقبحها من مهنة!. هل تُراك عرفتها؟ إنّها مهنة البغاء (الدّعارة).
•ما هي مهنة البغاء؟
إنّها المهنة التي تُسمّى أيضاً الدّعارة، وهي في أبسط تعريف: مهنة إشباع الرّغبات الجنسيّة بين طرفين، حيث يقوم أحدهما بتقديمها للطّرف الآخَر بمُقابِل مادّيّ يُتَّفق عليه بينهما. أي بمعنى آخَر مهنة بيع الجسد. وهذا كلّه يكون خارج الإطار السّليم والمقبول دينيّاً واجتماعيّاً لمُمارسة الجنس ألا وهو الزّواج.
• تاريخ مهنة الدّعارة:
الدّعارة مهنة موجودة في كُلّ مكان في العالَم، بغضّ النَّظَر إن كانت موجودة رسميّاً أي بشكل عَلَني مُعتَرف به، أم واقعيّاً فقط أي غير مُصرَّح بها تُمارس في الخفاء. في مصر مثلاً، ( نذكر مصر فقط كنموذج حيث أنّ كاتب المقال مصري، لكن هذا الأمر موجود في كُلّ الدّنيا) كانت هذه المهنة قبل الثّورة مُعترَف بها ولها أحياء معروفة تماماً (مثلما هي موجودة عُرفيّاً في الكثير من المناطق في وقتنا الحاضر لكنّها تتمّ في الخفاء، إذ صار القانون المصري يُجرّمها ويدين ممارَسَتها). وفي الغرب أيضاً، فإنّ الكثيرات ـ في أماكن مُتعدّدة ـ تحترفنَ مثل هذه المهنة والتي تعترف الكثير من البُلدان بمشروعيّتها كمهنة من المِهَن المسموح بها. كما أنّ بعض البلاد الأُخرى تُنادي بأنّ الأمر لا يعدو كَونَه حُريّة وقناعة شخصيّة ولا بُدّ أن يُترك لحُريّة الإنسان، وإلاّ يُعتَبر التَدخُّل فيه اعتداءاً سافِراً على حقوق الإنسان واقتحاماً غير مقبول في شؤونه. كما أنّ هُناك هيئات وتنظيمات كُبرى تعمل في هذه التّجارة الرّائجة، حيث تقوم بتصدير فتيات من أماكن فقيرة أو لديها مُشكلات اقتصاديّة أو حروب أو مشاكل أُخرى، لمناطق تُرحّب بهذا الصِّنف من الفتيات!.
• مخاطر البغاء:
ولعلّها تكون منطقيّة ومعروفة لنا جميعاً، فالفتيات اللاتي يُمارِسنَ البغاء يُمكن أن يكُنَّ بمثابة قنابل موقوتة تنشر الموت والدّمار لكُلّ من حولهنّ، فمُعظمهنّ يُمكن أن يكُنَّ حاملات لفيروسات أمراض مُختلفة (حتّى دون أن يَدرينَ!) تنتشر كنتيجة للمُخالطة الجنسيّة. وتقول تقارير مُنظّمة الصحّة العالميّة أنّ مناطق كجنوب القارّة الإفريقيّة مثلاً، حيث تنتشر إباحة الجنس لسبب أو لآخَر، وحيث ينتشر الجهل والفقر والمُمارسات الجنسيّة المُتعدّدة، تتضاعف فيها الإصابة بأخطر أمراض العصر ألا وهو مرض نقص المناعة المُكتَسَب (الإيدز). وممّا يزيد صعوبة المُشكلة غياب الوعي الصّحّي حول خطورة هذا المرض وطرق اكتشافه، ممّا جعل المُنظّمات الصّحيّة العالميّة والمعنيّة بهذا الأمر، تُكثّف من حَمَلاتها وتُدعِّم تواجدها في مثل هذه المناطق.
كما أنّه لا يُمكننا في هذا الصَّدَد ألاّ نُشير لمخاطر أُخرى معنويّة جسيمة تقع على المُمارِسات لهذا الأمر، فهُنَّ أنفسهنَّ يفتقدنَ الإحساس بالكرامة والقيمة، إذ أنهنَّ يَعرُضنَ أجسادهنَّ كسِلعة لمن يدفع ثمنها، وهذا الأمر يُفقدهنَّ الكرامة واحترام الذّات. فلا هُنّ ولا الذين يستأجرونهنَّ لإشباع متعتهم ولا المُجتمع نفسه، يحترم أو يرحم من تفعل ذلك. وهذا هو قانون البشر وهذه هي سُنّة الحياة. فمن تعمل مثل هذه الأُمور إنّما هي تُسيء بذلك إلى نفسها وإلى جسدها، ومن ثمّ إلى الله نفسه!.
• لماذا تحترف الإناث مثل هذه المهنة؟
تقول بعض المُحترفات أنّ أوّل وأقوى الدّوافع التي تدفعهنّ لامتهان هذه المهنة البغيضة هو الفقر، فالفتاة أو المرأة التي لا تجد من يهتمّ بها ولا من يسأل عنها ـ لسبب أو لآخَر ـ أو تلك التي لا تجد أيّ مورِد لإعالتها (خاصّة من لا تعليم ولا وظيفة ولا إرث لها)، لن يكون أمامها أيّ خَيار آخَر سوى أن تبيع جسدها!. وقد تلجأ مثل هذه لأبواب عدّة تُخرج نَفْسها من خلالها وكأنهّا ليست في مأزق، ولتُضفي المشروعيّة أو القانونيّة على وضعها أمام ضميرها أو المُجتمع أو حتّى السُّلُطات، مثل الزّواج المُوقَّع بورقة أو بعهد أو........ لكنّها تعرف بالطّبع (في قرارة نَفْسها) أنّ هذا الأمر ما هو إلاّ إجراء صُوري أو ظاهري لتبرير أو إخفاء خطأ فاضِح!.
وتسوق امرأة أُخرى دافِعاً أو سبباً آخَر لانحرافها في مثل هذا التّيّار الجارف قائلة: "لقد زوّجني أهلي قَسراً برَجُل يكبرني بكثير، كنتُ في الخامسة عشر من عمري وكان هو في الأربعين".
ثمّ تضيف قائلة: "وبعد فترة قصيرة تمَّ طلاقي. والدتي مُتوفّاة ووالدي مُتزّوج بأُخرى، فلم يكن عندي أيّ طريق آخَر!!".
كذلك تُضطّر البعض لمُمارسة مثل هذه المهنة عن طريق بعض العصابات التي قد تعتمد الخديعة من ناحية (كوعود الزّواج أو العمل المُجزي والشّريف في بلاد غريبة!)، أو القوّة والقَهر (كالخطف مثلاً!) من ناحية أُخرى. وبعد أن يتمّ التّغرير بهؤلاء الفتيات يُدفَعنَ للعمل في مثل هذه المهنة غير المقبولة منهنّ أصلاً ثمّ يحترفنَها لاحقاً.
وهكذا فالأسباب والدّوافع تتعدّد وتتنوّع، لكن تكون النّتيجة هيَ هيَ، الانحراف والانجراف في تيّار الخطيّة التي لا ترحم!.
• كيف يتحدّث الكتاب المُقدّس عن الزِّنا (مُمارسة الجنس خارج نطاق الزّواج)؟
لقد أعطانا الله الجنس لنتمتّع به ولكن بقيود أو لِنَقُل توصيات صارمة لا تقبل التّغيير (وذلك لمصلحتنا)، ألا وهي أن يكون ذلك داخل نطاق الزّواج. لكن الإنسان الذي لا يعلَم ذلك أو لا يتصرّف بهذا المفهوم، إنّما هو يضرُّ نَفْسه ويُسيء لا إلى جسده فقط كما سبق وقُلنا، بل أيضاً إلى الله، وهو يفقد بذلك مصيره الأبديّ الآمن. دعنا عزيزي القارىء نقرأ معاً ما يُسجّله لنا الوحي المُقدّس بهذا الشّأن. يقول الوحي المُقدّس:
"أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ. إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُفْسِدُ هَيْكَلَ اللهِ فَسَيُفْسِدُهُ اللهُ لأَنَّ هَيْكَلَ اللهِ مُقَدَّسٌ الَّذِي أَنْتُمْ هُوَ" (رسالة كورنثوس الأولى 3: 16، 17).
"أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الظَّالِمِينَ لاَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ. لاَ تَضِلُّوا. لاَ زُنَاةٌ وَلاَ عَبَدَةُ أَوْثَانٍ وَلاَ فَاسِقُونَ وَلاَ مَأْبُونُونَ وَلاَ مُضَاجِعُو ذُكُورٍ........ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ" (رسالة كورنثوس الأولى 6: 9، 10).
"أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ مَنِ الْتَصَقَ بِزَانِيَةٍ هُوَ جَسَدٌ وَاحِدٌ لأَنَّهُ يَقُولُ يَكُونُ الاِثْنَانِ جَسَداً وَاحِداً" (رسالة كورنثوس الأولى 6: 16).
"أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ الَّذِي لَكُمْ مِنَ اللهِ وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ" (رسالة كورنثوس الأولى 6: 19).
"وَأَمَّا الْخَائِفُونَ وَغَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ وَالرَّجِسُونَ وَالْقَاتِلُونَ وَالزُّنَاةُ وَالسَّحَرَةُ وَعَبَدَةُ الأَوْثَانِ وَجَمِيعُ الْكَذَبَةِ فَنَصِيبُهُمْ فِي البُحَيْرَةِ المُتَّقِدَةِ بِنَارٍ وَكِبْرِيتٍ الَّذِي هُوَ الْمَوْتُ الثَّانِي" (سِفر رؤيا يوحنّا اللاّهوتي 21: 8).
• وصايا كتابيّة أُخرى عن مُمارسة الجنس خارج إطار الزّواج (الزِّنى):
" اُهْرُبُوا مِنَ الزِّنَا. كُلُّ خَطِيَّةٍ يَفْعَلُهَا الإِنْسَانُ هِيَ خَارِجَةٌ عَنِ الْجَسَدِ. لَكِنَّ الَّذِي يَزْنِي يُخْطِئُ إِلَى جَسَدِهِ" (رسالة كورنثوس الأولى 6: 18).
"لأَنَّ هذِهِ هِيَ إِرَادَةُ اللهِ قَدَاسَتُكُمْ. أَنْ تَمْتَنِعُوا عَنِ الزِّنَا" (رسالة تسالونيكي الأولى 4: 3).
"لِيَكُنِ الِزّوَاجُ مُكَرَّماً عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ وَالْمَضْجَعُ غَيْرَ نَجِسٍ. وَأَمَّا العَاهِرُونَ وَالزُّنَاةُ فَسَيَدِينُهُمُ اللهُ" (الرّسالة إلى العِبرانيّين 13: 4).
• والشّبع الحقيقي، هل يُمكننا أن نجده في المزيد من المُمارَسات الجنسيّة المُتعدِّدة؟
الواقع يقول أنّ عكس ذلك هو قلب الحقيقة، فطريق إشباع الغرائز والشَّهوات إنّّما هو بئر بلا قرار وطريق لا نهاية له. إنّه كالسّراب للباحِث المُتلهّف وكالماء المالح الذي لا يُروي الظّامىء بل كلّما تجرّع منه ازداد عطشاً لا ارتواء!.
إنّ الشّبع الحقيقي للإنسان لا يكون إلاّ وفقاً لما خطّطه الله الخالق له، بقانونه هو (بقانون الله) لا بقوانين البشر.
لقد خلق الله الإنسان طاهراً وحُرّاً وأَراد له أن يظلّ هكذا، لكنّه انحرف وراء الخطيّة وانجرف في تيّارها وجرّبها بكُلّ أنواعها وأشكالها، وحَصَدَ ولا زال يحصد نتائجها المُرّة. إنّ طريق الحرام يُمكن أن يكون سهلاً، وغالباً ما يكون جذّاباً وبرّاقاً، لكنّ عاقبته العار والموت. يُريدنا الله أن نتوقّف عن عمل كُلّ ما لا يُرضيه ونتوب عنه، ويدعونا لنُحافظ كُلّ مِنّا على نَفْسه في ثوب العفّة والطّهارة والنّقاوة.
إنّ بَرَكات عدّة تنتظر كُلّ عارِفي الله والقريبين منه. فليُباركنا الله وليُمتّعنا برضاه، فهذا هو الطّريق الحقيقي للسّعادة والبَرَكة.