جاء في سفر زكريا النبي "ابتهجي جداً يا ابنة صهيون اهتفي يا بنت أورشليم. هوذا ملكك يأتي إليك هو عادل ومنصور وديع وراكب على حمار وعلى جحش ابن أتان" (زك 9: 9)
يقول د. أحمد حجازي السقا: "قد تحققت النبوة في شخص عمر بن الخطاب رضي الله عنه نائباً عن نبي الإسلام، فعلى يديه تم الفتح المبين لأورشليم، وقضي على ملك بني إسرائيل إلى الأبد.
(نبوة محمد في الكتاب المقدس، دار الفكر العربي، ص 92)
عندما قرأت ما كتبه السقا اندهشت فهو يكتب عن النبوات التي جاءت عن محمد في الكتاب المقدس، وعندما لم ير فيها نبوة عن محمد لم يشأ أن يترك هذا النص يفر من بين يديه فقال إنه نبوة عن عمر بن الخطاب نائباً عن نبي الإسلام.
ورغم كثرة من كتبوا في هذا الموضوع فلم أجد – حسب ما قرأت - من فسر هذه النبوة بهذه الكيفية، وعندما بحثت في هذا الموضوع عرفت أن أول من قال بهذا هو اليهودي كعب الأحبار. فمن هو كعب الأحبار هذا؟ وما هي الظروف التي قال فيها بهذا ولماذا؟ كتب الأستاذ محمود أبو رية: "لما قويت شوكة الدعوة المحمدية واشتد ساعدها وتحطمت أمامها كل قوة تنازعها لم ير من كانوا يقفون أمامها ويصدون عن سبيلها إلا أن يكيدوا لها عن طريق الحيلة والخداع بعد أن عجزوا عن النيل منها بعد القوة والنزاع، ولما كان أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود.. فإن رهبانهم وأحبارهم لم يجدوا بداً – وبخاصة بعد أن غلبوا على أمرهم وأخرجوا من ديارهم - من أن يستعينوا بالمكر ويتوسلوا بالدهاء لكي يصلوا إلى ما يبتغون، فهداهم المكر اليهودي أن يتظاهروا بالإسلام ويطووا نفوسهم على دينهم حتى يخفى كيدهم ويجوز على المسلمين مكرهم، وقد كان أقوى هؤلاء الكهان دهاء وأشدهم مكراً كعب الأحبار ووهب بن منبه وعبد الله بن سلام، ولما وجدوا أن حيلتهم قد راجت بما أظهروه من كاذب الورع والتقوى، وأن المسلمين قد سكنوا إليهم واغتروا بهم جعلوا أول همهم أن يضربوا المسلمين في صميم دينهم، وذلك بأن يدسوا إلى أصوله التي قام عليها ما يريدون من أساطير وخرافات.
قال ابن خلدون عندما تكلم عن التفسير النقلي وأنه كان يشتمل على الغث والسمين والمقبول والمردود، والسبب في ذلك أن العرب لم يكونوا أهل كتاب ولا علم وإنما غلبت عليهم البداوة والأمية وإذا تشوقوا إلى معرفة شيء مما تتشوق إليه النفوس البشرية في أسباب المكونات وبدء الخليقة وأسرار الوجود فإنما يسألون عنه أهل الكتاب ويستفيدون منهم، وهم أهل التوراة من اليهود ومن تبع دينهم من النصارى مثل كعب الأحبار ووهب بن منبه وعبد الله بن سلام وأمثالهم، فامتلأت التفاسير من المنقولات عندهم وتساهل المفسرون في مثل ذلك وملأوا كتب التفسير بهذه المنقولات وأصلها كلها كما قلنا من التوراة أو مما كانوا يفترون (مقدمة ابن خلدون ص 439 و440).
كعب الأحبار: هو من آل ذي رعيد وقيل من زي الكلام ويكنى أبا إسحاق من كبار أحبار اليهود وعرف بكعب الأحبار وأسلم في عهد عمر وسكن المدينة في خلافته وكان معه في فتح القدس، ثم تحول إلى الشام في زمن عثمان، فاستصفاه معاوية وجعله من مستشاريه لكثرة ما عمله.. مات بحمص سنة 32 أو 33 أو 38 بعدما ملأ الشام وغيرها من البلاد الإسلامية بروياته وقصصه.
سبب إسلامه: زعم هذا الكاهن لإسلامه سبباً عجيباً ليتسلل إلى عقول المسلمين وقلوبهم، فقد أخرج ابن سعد بسند صحيح عن سعيد بن المسيب قال: قال العباس لكعب: لم تسلم في عهد النبي وأبي بكر؟ قال إن أبي كتب لي كتاباً من التوراة فقال أعجل به وختم على سائر كتبه وأخذ عليّ بحق الوالد على الولد ألا أفض الختم عنها، فلما رأيت ظهور الإسلام قلت لعل أبي غيب عني علماً ففتحها فإذا صفة محمد وأمته، فجئت الآن مسلماً.
كعب الأحبار وعمر بن الخطاب:
لما قدم كعب إلى المدينة في عهد عمر وأظهر إسلامه أخذ يعمل بدهاء ومكر ولما أسلم من أجله من إفساد الدين وافتراء الكذب على النبي، ومما أغراه بالرواية أن عمر ابن الخطاب كان في أول أمره يستمع إليه على اعتبار أنه قد أصبح مسلماً صادق الإيمان، فتوسع في الرواية الكاذبة ما شاء أن يتوسع.. ولكن لم يلبث عمر أن فطن لكيده وتبين سوء دخلته فنهاه عن الحديث وتوعده إن لم يترك الحديث عن الأول أو ليلحقنه بأرض القردة (البداية والنهاية لابن كثير، ح 8، ص 206)
مع أن عمر قد ظل يترقب هذا الداهية بحزمه وحكمته وينفذ إلى أغراضه الخبيثة بنور بصيرته كما ترى في قصة الصخرة فإن شدة دهاء هذا اليهودي قد تغلبت على فطنة عمر وسلامة نيته، فظل يعمل بكيده في السر والعلن حتى انتهى الأمر بقتل عمر، وتدل القرائن منها على أن هذا القتل كان بمؤامرة من جمعية سرية وكان هذا الدهى من أكبر أعضائها. ذكر المسور بن مخزومة أن عمر لما انصرف إلى منزله بعد أن أوعده أبو لؤلؤة جاء كعب الأحبار فقال: يا أمير المؤمنين (اعهد) فإنك ميت في ثلاث ليال، قال: ومن يدريك؟ قال: أجده في كتاب التوراة. قال عمر: أتجد عمر بن الخطاب في التوراة؟ قال: اللهم لا ولكن أجد حليتك وصفتك (تاريخ الخلفاء ص 90 و 98)
وقد قتل عمر بعد ثلاثة أيام بواسطة أبو لؤلؤة المجوسى في 26 ذي الحجة سنة 23هـ
قصة الصخرة:
لما افتتحت إيليا وأرضها على يدي عمر في ربيع الآخر سنة 16هـ ودخل عمر بن الخطاب بيت المقدس دعا كعب الأحبار وقال له: أين ترى نجعل المصلى؟ فقال كعب الأحبار إلى الصخرة (أي خلف الصخرة) فقال عمر: ضاهيت والله اليهودية يا كعب.. أبنيه في صدر المسجد فان لنا صدور المساجد وقد رأيتك وخلعك نعليك فقال: أحببت أن اباشره بقدمي ولما أخذ في تنظيف بيت المقدس من الكناسة التي كانت الروم قد دفنتها به سمع التكبير من خلفه.. فقال: ما هذا؟ فقالوا: كبر كعب الأحبار وكبر الناس بتكبيره فقال: علي به. فقال: ما أمير المؤمنين أنه قد تنبأ على ما صنعت اليوم نبي منذ خمسمائة سنة قال: وكيف؟ فقال: إن الروم أغاروا على بني إسرائيل فأديلوا عليهم فدفنوه إلى أن وليت فبعث الله نبياً على الكناسة فقال: أبشرى أورشليم، عليك الفاروق ينقيك مما فيك، وفي رواية أتاك الفاروق في جندي المطيع ويدركون لأهلك بثأرك من الروم..الخ هذه الخرافات التي فجرها هذا الدجال الأفاك (ملخص عن الطبري، ح 4 ص 160 وما بعدها)
(أضواء على السنة المحمدية، الشيخ محمود أبو رية، دار المعارف، ط 5، ص 118 – 139)
إذن مصدر هذا القول هو كعب الأحبار اليهودي وعنه أخذ الشيخ أحمد حجازي السقا، وعندما ندرس ما أجمع عليه المفسرون نجد أن هذه النبوة عن دخول المسيح الانتصاري إلى أورشليم وقد سجلها البشير متى كما يلي:
ولما قربوا من أورشليم وجاءوا إلى بيت فاجي عند جبل الزيتون حينئذ أرسل يسوع تلميذين قائلاً لهما. اذهبا إلى القرية التي أمامكما فللوقت تجدان أتاناً مربوطة وجحشاً معها، فحلاهما واتياني بهما. وإن قال لكما أحد شيئاً فقولا الرب محتاج إليهما. فللوقت يرسلهما. فكان هذا كله لكي يتم ما قيل بالنبي القائل قولوا لابنة صهيون هوذا ملكك يأتيك وديعاً راكباً على أتان وجحش ابن أتان. فذهب التلميذان وفعلا كما أمرهما يسوع . وأتيا بالأتان والجحش ووضعا عليهما ثيابهما فجلس عليهما، والجمع الأكثر فرشوا ثيابهم في الطريق، وآخرون قطعوا أغصاناً من الشجر وفرشوها في الطريق، والجموع الذين تقدموا والذين تبعوا كانوا يصرخون قائلين أوصنا لابن داود، مبارك الآتي باسم الرب. أوصنا في الأعالي. ولما دخل أورشليم ارتجت المدينة كلها قائلة من هذا؟ فقالت الجموع هذا يسوع النبي الذي من ناصرة الجليل
(متى 21: 1 – 11 وانظر أيضاً مر 11: 7 – 10، لو 19: 35 – 38، يو 12: 14 و15)
وقد فهم كثير من الكتاب المسلمين الذين درسوا هذا أن هذا النص نبوة عن المسيح:
كتب الأستاذ محمد عطا في حديثه عن المسيح في فكر أنبياء بني إسرائيل "ثم تطورت هذه الصورة بعض الشيء عن النبي زكريا عليه السلام فاقترب المسيح في مفهومه من مفهوم داود نجد ذلك في قوله: "ابتهجي جداً يا ابنة صهيون اهتفي يا بنت أورشليم. هوذا ملكك يأتي إليك. هو عادل ومنصور وديع وراكب على حمار وعلى جحش ابن أتان" (زك 9: 9 و10) (عيسى في الخالدين، ص 19)
ويقول د. حسين فوزي: "فقد جاء المسيح كما بشر به النبي زكريا بقوله "ابتهجي..." وحين صعد المسيح إلى أورشليم صعد إليها كما قال زكريا على حمار ابن أتان (مت 21: 1 – 11)
فالأمل الذي راود بني إسرائيل بظهور المسيح المنتظر قد تحقق بقيام عيسى عليه السلام برسالته ثم إن قدومه إلى أورشليم في الصورة التي تخيلوها قبل مجيئه لا شك يحقق أملهم فيه "أرض الميعاد، ص 108 و109)
والآن لنلقي نظرة فاحصة على الناس لنعرف عن من يتنبأ:
1. النص يقول: ابتهجي جداً يا ابنة صهيون اهتفي يا بنت أورشليم. هوذا ملكك يأتي إليك فالمقصود بالنبوة هم اليهود والآتي: هو ملكهم ويأتي إليهم هم وقد ذكر في نفس السفر: "ترنمي وافرحي يا بنت صهيون لأني هأنذا آتي وأسكن في وسطك يقول الرب" (زك 2: 10)