هل أنت جميل؟
احذر فالجمال أنواع
الجمال الضار
مع أن الجمال نعمة يطمح إليها الجميع، إلا أن هناك جمالاً لا يعود على صاحبه بالخير، بل ربما يسبب له أو لغيره شراً عظيماً!
فقد يدفع الجمال صاحبه ـ أو صاحبته ـ إلى نوع من العجب والخيلاء، والترفع والكبرياء! وهذا التيه والكبر يجلب الوبال على صاحبه، إذ يبغضه الناس، ويستثقلونه، فى حين ينصرف هو إلى المباهاة بظاهره، غافلاً عن بناء نفسه.
وقد يجلب الجمال الشر إلى صاحبه أو صاحبته، إذ يجعله مطمعاً للمتربصين! ولعلنا نرى مثالاً لذلك فى الطاووس، الطائر الهندى الجميل، الذى جلب عليه جماله المصائب، أكثر من غيره من الطيور، فريشه الأخضر المذهب بنقوشه الرائعة، جعله مطمع الصائدين، وفى الوقت الذى يختال فيه ناشراً ذيله الجميل فى ضوء الشمس، يكون قد وضع حجاباً كبيراً على عينيه، فلا يرى المتربصين به.
وقد ينصرف المرء للعناية بجمال منظره، حتى يصير عبداً لهذا الجمال! يعيش للعناية به، والحفاظ عليه، ويحاول لفت الأنظار إليه. مهملاً بناء نفسه، مكتفياً بما لجماله من قيمة عظيمة وتقدير بالغ فى عيون الناس. ثم يغرب هذا الجمال، وينفض الناس، وتختفى كلمات الاستحسان والإعجاب لتبقى مرارة النفس الجريحة.
وقد يكون الجمال ضاراً، حين يسيء صاحبه استغلاله فى خداع الآخرين والتغرير بهم واجتذابهم إليه والتأثير فيهم ليعملوا ما يريد! وهو هنا مثل "الزهور الصيادة"، هذه الزهور الخادعة، التى تنتهى أوراقها بجيوب صغيرة، تفرز سائلاً سكرياً، يجتذب إليها الحشرات، التى لا تكاد تستمتع بهذا الطعام، حتى تكون قد نامت بفعل هذا السائل الحلو والمخدر فى ذات الوقت! وحينئذ تطبق عليها أوراق الزهرة، وتمتص منها رحيق الحياة!
الجمال الناقص
فى متحف اللوفر الباريسى، يوجد تمثال رائع لـ "أفروديت" ربة الجمال عند الأغريق. وهو تمثال جميل رقيق، أراد صانعه "براكسيتيل 400ـ330ق.م" أن يجسد فيه جمال الخلقة، وروعة التكوين. ولكن هذا التمثال الذى عثر عليه أحد الرهبان فى جزيرة ميلوس كان ـ للأسف الشديد ـ محطم الذراعين! وكثيراً ما يكون الجمال ناقصاً، فقد يكون الإنسان جميلاً فى شكله، وتكوينه، لكنه عاجز، ضعيف البنية، مكدود الجسد رغم جماله الظاهر. وقد يكون الإنسان جميلاً، لكنه ثقيل الظل، سمج الأخلاق. فجماله ناقص. وقد يكون الإنسان موفور الجمال، لكنه خائر القوة، محطم الإرادة، هابط العزيمة، قليل النخوة والمروءة، فجماله ناقص! وكم فى الحياة من "أفروديت"، جميلة رائعة، لكنها بلا يدين، عاطلة بلا عمل.
الجمال الميت
إنه جمال التماثيل الرائعة، فهى حقاً غاية فى العظمة والروعة والجمال، لكنها ميتة بلا روح. قيل أن "مايكل أنجلو" وقف أمام أحد تماثيله يتحدث إليه، فقد كان التمثال آية فى الدقة والكمال. وصرخ أنجلو فى وجه التمثال قائلاً: تكلم، ولكن التمثال لم ينطق، فصفعه صارخاً: تكلم أيها التمثال! واصطدمت يد الفنان بالحجر البارد!
لقد نسى المثال العظيم أن الجمال الذى أبدعه فى كتلة الحجر العظيمة، كان جمالاً بلا روح. ومن الناس من لهم الجمال الظاهرى، لكنهم كالصخر الصلد، لا قلب لهم، ولا روح. إن جمالهم أبكم بلا لسان، جمالهم ميت بلا إحساس.
الجمال الحقيقى
ما أعظم الفارق بين أغلى الزهور الصناعية الدقيقة، وأصغر زهرة حقيقية على قارعة الطريق. فالزهرة الحقيقية التى تمتد أصولها فى طين الأرض، لها من الحياة والنضرة، ما يجعلها أوفر جمالاً من أغلى الورود الذهبية التى تزين صدور الملكات!
فجوهر الجمال، أن يكون جمالاً حياً، ممتلئاً برحيق الحياة ونبضها، وتسرى فى كيانه تلك الحرارة التى تربط الإنسان الحى بخالقه؛ فتملأ عروقه بدماء اليقين الراسخ! هذا هو الجمال الحقيقى. لقد قتلت الخطيئة الإنسان، حين قطعت علاقته بالله؛ فصار الإنسان كتلة باردة من حجر أصم، لا دفء فيه ولا حياة. فأصبح جماله مشوهاً، ناقصاً، ميتاً بلا حياة.
ولكى يسترد الإنسان جماله الأول، يحتاج إلى قلب جديد غير قلبه الحجرى الميت. هذا التجديد ـ عملية إلهية يصنعها الله فى قلب الإنسان التائب، حين يخلقه من جديد، ويهبه روحاً جديداً، هو روح الحياة وحين ينير الله بصيرة الإنسان، فيكشف له طريق الحياة، ويمتلىء قلبه بروح الحياة، حينئذ يضع الله على وجهه خاتم النور والجمال الذى لا تمحوه الأيام.