ما أعجب أن يحدث ميلاد لنفس إنسان في مثل هذا المهد: الصليب! لكن حقًا «غير المستطاع عند الناس مستطاع عند الله» ( لو 18: 27 ). إن هذا اللص التائب التقى بالرب في أسوأ وقت وأسوأ مكان ـ بحسب النظرة البشرية ـ بالنسبة لكليهما، ومع ذلك خلص.
فبالنسبة للمسيح، وصل إلى أدنى صور الاتضاع إذ كان يبدو كأنه لا يقوى على أن يخلِّص نفسه، فكيف يخلِّص غيره؟ كان في مشهد رفض واحتقار من جموع الأمة وقادتها، فكيف لمجرم خارج عن القانون أن يؤمن به؟ كان لأعدائه اليد الطولى، فيما المؤمنون به تخاذل إيمانهم وفرّوا جميعًا، فكيف يؤمن به شخص لم يكن قد سبق له الإيمان؟ كان مُسمَّر اليدين متروكًا من أحبائه، فكيف لمَن لم تسبق له معرفة به أن يعترف به؟ كان منزوع الثياب، مُحصى مع أثمة، فكيف يكون هو الملك؟ وكيف يكون هو الرب؟ لكن يا للعجب! لقد رأى ذلك اللص في مشهد الموت حياة، وفي الأطلال جلالاً، وفي الخزي مجدًا، وفي الهزيمة نُصرة، وفي الرُبط سلطانًا، وفي الصليب عرشًا، وفي إكليل الشوك تاجًا. وإن المرء ليتساءل: تُرى هل ارتقى إيمان منذ بدء الخليقة مثل إيمان هذا اللص التائب؟ لقد خذلت المسيح أُمته، وقد خانه تلميذه، وهرب الباقون جميعًا، وها هو يُقطع وليس له شيء على الإطلاق ( دا 9: 26 ). لكن كان هناك شخص آمن به ورأى مجده، بل اعترف به جهرًا. وبينما المسيح مُعلق على الصليب قال له: «اذكرني يا رب متى جئتَ في ملكوتك»! لقد وجد المسيح في ذلك اللص، في تلك الساعات العصيبة، باكورة ناضجة شهية من تعب نفسه. أ ليس لأجل أمثال هذا اللص احتمل المسيح الصليب مُستهينًا بالخزي؟
لكن ليس فقط من جانب المسيح، بل أيضًا من جانب اللص كانت الظروف أسوأ ما تكون. فقد كان اللص في آلام رهيبة، هي آلام الصليب، فهل هذا وقت مناسب للإيمان؟ على أن هذا ـ ويا للعجب ـ هو ما كان! لذلك إن وصلت هذه الكلمات إلى شخص على سرير المرض أو حتى فراش الموت، فإن الذي خلَّص اللص وسط آلامه الرهيبة قادر أن يُخلِّصك أنت أيضًا