أساليب الدراسة المختلفة للكتاب المقدس
1- أسلوب دراسة الأسفار
هذه أهم وأبسط طرق دراسة الكتاب المقدس وأكثرها انتشاراً، وننصح بها بالنسبة للمبتدئين فى الدراسة. وفى هذه الحالة يفضل الابتداء بالأسفار الأسهل فالأصعب. العهـد الجديد أولاً ثم القديم. ولكن بالنسبة للمتقدمين فى الدراسة ننصح أن تتم الدراسة بترتيب الأسفار، فنتفادى بذلك التركيز على أسفار بعينها على حساب إهمال أسفاراً أخرى.
وفى دراسـة الكتاب بهذه الطريقة هناك أسلوبان يكملان بعضهما ويطلق عليهما أحياناً "الدراسـة التليسكوبية" و "الدراسة الميكروسكوبية". فالتلسكوب هو ذاك الجهاز الذي يدهشنا بعظمة اتساع الكون الهائلة، بينما الميكروسكوب هو جهاز يدهشنا بدقة مكوناته المذهلة. هذان الأسلوبان يذكراننا برجلين لله في العهد القديم هما موسى ويشوع. الأول أخذه الرب فوق جبل نبو وأراه الأرض كلها دفعة واحدة (تث34)؛ لقـد شاهد منظر كل أرض كنعان من فوق، ولو أنه لم يسمح له بأن يمشى فيها. وما كان أجمل منظر الأرض البهية بالنسبة له! أما الشخصية الأخرى فهى شخصية يشوع بن نون. هذا الرجل سمح له الرب أن يسير في رحاب أرض عمانوئيل شبراً شبراً. لقد قال له الله في الأصحاح التالي لكلام الرب مع موسى « كل موضع تدوسه بطون أقدامكم لكم أعطيته » (يش1: 3). وهو ما تحقق فعلاً على عهد يشوع، لقد سار فيها برجليه، وامتلكها فعلاً.
هكذا تماماً كل من الدراسة التليسكوبية والدراسة الميكروسكوبية؛ في النوع الأول من الدراسة نحن نأخذ فكرة عن السفر دون الخوض فى تفاصيله الدقيقة. هذه النظرة للسفر يسميها البعض "نظرة عين الطائر"، ستعطيك مجالاً واسعاً ونظرة شاملة دون تعمق. فعن طريق قراءة السفر كله في جلسة واحدة، إن أمكن (وإن كان صغيراً تعاد قراءته عدة مرات)، ستفتح أمامك معاني لم تكن تحس بها من قبل، وستشعر بالرابطة الجميلة بين مفردات السفر التي لم تكن تلحظ العلاقة بينها.
من المهـم في هذه الدراسة أن تحاول معرفة الطابع العام للسفر، وكذا ملاحظة تكرار كلمـات بعينها فيه مثل: كلمة "الفرح" في رسالة فيلبى، أو "السلوك" في رسالة أفسس، أو "السيرة" في رسالتى بطرس، أو كلمة "أفضل" في رسالة العبرانين... وهكذا.
وقبل أن تترك هذه الدراسة اعرف من هو كاتب السفر، وفي أي زمن كتب، والظروف المحيطة به وقت كتابة السفر. فسيكون جميلاً عندما تلاحظ مثلاً أن رسالة فيلبي التي طابعها الفرح كتبها بولس وهو فى القيود مسجوناً!
وبعد هذه الدراسة يأتي دور الدراسة الميكروسكوبية، التى تنفذ إلى دقائق الموضوع؛ فيقسـم السفـر إلى أقسام، ثم الأصحاح إلى أقسام أصغر حتى نصل إلى الآية. بل الآية الواحدة نفسها نبدأ بمحاولة فهم كل كلمة منها.
وبعد أن تكون قد فهمت القصد من الآية، يمكنك أن تتأمل فى الكتاب المقدس لتعرف أين ترد التعاليم أو الأقوال المتشابهة، وما النور الجديد الذى حصلت عليه من هذا الفصل، فكما ذكرنـا قبلاً في مبادئ التفسير أنه لا يوجد في كلمة الله تكرار لمجرد التكرار، بل إن الله إذا كرر الكلام فى أى موضوع فإنما لإبراز جانب معين أو لإلقاء نور إضافي عليه.
2- أسلوب دراسة الموضوعات
هذه هي نفس الطريقة التي استخدمها ربنا يسوع مع تلميذي عمواس، عندما شرح لهما الأمور المختصة به فى جميع الكتب (لو24 : 27). هذه الدراسة تصلح للمتقدمين نسبياً فى كلمة الله. كأن تدرس مثلاً موضوع الصليب أو موضوع النعمة أو الكنيسة أو مجيء المسيح الثاني، أو الدينونة، فتتبعه في كل أسفار الكتاب المقدس. أو تدرس موضوع الصلاة فتتتبع رجال الله القديسين في صلواتهم من أول الكتاب إلى آخره، وكذا التحريضات الكتابية على الصلاة وما ورد عن نتائجها، وكذا شروطها ومعطلاتها... الخ. وما يقال عن الصلاة يقال أيضاً عن الصوم أو عن الخدمة أو عن التكريس. . . الخ.
تحت هذا العنوان نشير أيضاً إلى دراسة موضوعات رمزية جميلة؛ مثل خيمة الاجتماع أو هيكل سليمان أو الذبائح. . . الخ، لاستخلاص الدروس الروحية المستفادة منها. أو دراسة موضوعات عامة كالتدابير؛ أي طرق تعامل الله مع البشر على مر العصور، وكذا العهود المختلفة، أو معجزات المسيح أو أمثال المسيح وهكذا.
وستجد لذة خاصة عند دراستك لرحلات شعب الله من مصر إلى كنعان، وكذا رحلات بولس الرسول الواردة فى سفر الأعمال، وتاريخ الكنيسة النبوي (رؤ2، 3) وغيرها وغيرها.
3- أسلوب دراسة السير أو الشخصيات الكتابية
وهـذه الطريقة واضحة من اسمها، وفيها يتم دراسة كل ما ذكره الكتاب المقدس عن هذه الشخصية. ابحث عن معنى اسمه واكتشف مدى انطباق المعنى على حياته. حاول أيضاً أن تعرف في أي زمن عاش والظروف المحيطة به وأسماء معاصريه من الشخصيات البارزة، ومن ذلك ادرس التشابه الذي بين أيامه وأيامنا الحاضرة لاستخراج الدروس العملية بالنسبة لنا. حاول اكتشاف نواحي القوة في حياته ونواحي الضعف ومسبباته، وكذا في أي شئ يرمز للمسيح.
أعتقد أنه من الأفضل أن تبدأ بدراسة الشخصيات المعروفة كإبراهيم ويوسف وموسى وداود . . . الخ. وبعد ذلك الشخصيات الأقل انتشاراً في الكتاب المقدس مثل جدعون ويوناثان ويوشيا . . . حتى نصل إلى شخصيات حلوة لكن لم تشغل فى الكتاب سوى آيات قليلة مثل عكسة (قض 1) وياعيل (قض 4، 5) ويوناداب بن ركاب (2مل 10: 15، أر35) . . . الخ، أو مثل عنى بن صبعون (تك36: 24) أو رصفة بنت أية (2صم 21: 10، 11) أو حنينا رئيس القصر أيام نحميا (نح 7: 2) . . . الخ.
4- أسلوب دراسة الكتاب حسب فئات الناس حولنا
هذه الطريقة تصلح بصفة خاصة فى مجال العمل الفردي. وفيها تدرس كل ما يقوله الكتـاب المقدس لفئات الناس المختلفة؛ الآباء والأبناء، الأزواج والزوجات، وكذلك ما يصلح فى الكتاب للمتألمين، أو المرضى، والمضطهدين وأيضاً ما يناسب المتشككين أو اليائسين. وأيضاً ما يقوله الكتاب المقدس عن السكيرين والمستبيحين. وأيضاً المتهاونين والمؤجلين . . . وهكذا.
مساعدات أخرى لدراسة الكتاب المقدس
1- تعلم اللغات الأصلية للكتاب
إنه ليس ترفاً عديم القيمة أن تقرأ الكتاب المقدس باللغة التى كُتب فيها، فهناك كلمات فى اللغة الأصلية لا يوجد شبيه تام لها فى لغتنا العربية، وكلمات أخرى لها أكثر من معنى أو استخدام. فعلى سبيلالمثال كلمة "تاجر" في المثل السادس لملكوت السموات (متى13: 45)؛ جاءت فى الأصل اليوناني كلمة تعنى حرفياً "مسافر في مهمـة عمل" . ما أجمل أن تطبق هذا المعنى على المسيح الذي سافر من السماء إلى الأرض في مهمة ما أهمها! ثم كلمة "باع" المذكورة في نفس المثل تختلف فى الأصل اليوناني عن الكلمة المترجمة أيضاً "باع" في المثل الخامس (ع44)، التي تستخدم لمعاملات البيع والشراء العادية، أما الخاصة بمثل اللؤلؤة فهى تستخدم للبيع كعبد. ما أكثر البركة التى تجنيها عندما نتأمل فى هذه الأفكار؛ فهذا المسافر فى مهمة عمل، ضحى وأصبح عبداً إلى الأبد لأنه أحب الكنيسة (أف 5: 25). لقد أصاب مؤلف كتاب "بعض كنوز مخبأة فى العهد الجديد باللغة اليونانية" عندما قال "أعتقد أنه ليس قبل أن نصل إلى بيتنا السماوي سيمكننا أن نعرف حجم الخسارة التى تكبدناها بإهمالنا العهد الجديد اليوناني".
وفى حالة تعذر تعلم العبري واليوناني، يمكن الاستعاضة عن ذلك بالاستعانة بترجمات أخرى للكتاب المقدس. وبالنسبة لمن لا يعرف سوى اللغة العربية ينصح بالكتاب المقدس ذي الشواهد، والترجمة التفسيرية.
2- الاستعانة بقواميس وفهارس الكتاب المقدس
فالقـواميس تسهل عليك معرفة المعاني الغامضة للكلمات، وكذا معاني الكلمات والأسماء الأعجمية، أما الفهارس فإنها توفر عليك الوقت الطويل فى البحث عن الآية المطلوبة، كما تعطيك أماكن تواجد نظائرها فى الكتاب المقدس مما يفتح أمامك متسعاً للبحث والتأمل.
3- الشروحات والتفاسير
إننا نتذكر هنا نصيحة بوعز لراعوث لما قال لها « إذا عطشت فاذهبي إلى الآنية واشربي مما استقاه الغلمان » (را 2: 9). فلقد كان للغلمان طاقة أكبر مما لراعوث فى استخراج الماء من البئر العميقة. هكذا أيضاً يوجد رجال لله زودهم الرب بمواهب فذة، استطاعوا فهم كلمة الله بصورة واسعة. ونحن نشكر الرب عليهم لأن المواهـب التى أعطاها الرب؛ رأس الجسد، هي « لأجل تكميل القديسين، لعمل الخدمة، لبنيان جسد المسيح » (أف 4: 11، 12)، وهم بما سجلوه فى كتب صـاروا بـركة للأجيال. والمكتبات اليوم عامرة بعصارة جهدهم وطاقتهم وبحوثهم فى هذه الكلمة.
وإن لنـا من المثال الموحى به فى 2تيموثاوس 4: 13 تشجيعاً إلهياً على قراءة هذه الشروحات. ولو أننا نريد أن نحذر هنا بقوة من خطر الانصراف بقراءة هذه الشـروحات عن قراءة كلمة الله نفسها. هذه بلا شك عادة سيئة، فالكتاب المقدس يجب أن يأخذ المجال الأول في قراءاتنا. وإذا أردنا أن نعقد مقارنة بين تعلم الحق من قراءة الكتاب المقدس مباشرة وبين تعلمه من قراءة الشروحات؛ فإنه يمكن القول إن الكتب الروحية تعطى مجالاً أوسع لفهم الحق، والقراءة المباشرة للكتاب تعطى عمقاً أكبر فى تقدير الحق. الأولى تعطى كمية أكبر والثانية تعطى تدريباً أكبر. فإن جمعنا بين الأمرين فنعما نفعل.
4- الاجتماعات الروحية والجلسات
فعن طريق حضور الاجتماعات باسم الرب، لا سيما اجتماعات درس الكتاب، ينمو القديسون فى إدراك الكلمة. كما أن جلسات الأحباء معاً، إذا قُضيت فى الأسئلة الروحية والتأمل فى الكلمة، تعود على الإخوة بالنفع الكثير « وأنتم متأصلون ومتأسسون فى المحبة حتى تستطيعوا أن تدركوا مع جميع القديسين ما هو العرض والطول والعمق والعلو » (أف 3: 18). لم يتعمق الإخوة في أول عهدهم فى فهم كلمة الله إلا عن طريق هذه الاجتماعات الروحية، والجلسات الحبية.
ليت الرب المُقام، الذي جاء إلى تلاميذه عشية يوم القيامة وفتح ذهنهم ليفهموا الكتب، يفعل نفس الشئ معنا نحن أيضاً. وليته يعطينا القلب الملتهب ليزداد حبنا وشغفنا بمن هو موضوع الكتاب. وليت الرب يهبنا الذهن الواعي والقلب المدَّرب والحياة المتجاوبة. وحقاً أن تفتح كتابك، ثم تفتح قلبك للكتاب، ثم تفتح فمك طالباً من الله أن تسلك بموجب ما قرأت فهذا مفتاح للأمان واليقين والبهجة.