يحتفل بعض الناس بعيد الفصح المجيد أو عيد القيامة المجيدة ويمارسون الشعائر والعادات والتقاليد المختلفة ويلونون البيض دون أن يدركوا أهميته من الناحية الروحية أو ما يعلمه الكتاب المقدس بالنسبة له. لذلك لا بد أن نتساءل لماذا يعتبر هذا العيد من أهم الأعياد المسيحية، ولماذا يسمى بعيد الفصح، وما هي علاقة الفصح بقيامة المسيح. إن عيد الفصح هو عيد قيامة المسيح من القبر بعد آلامه وصلبه وموته، وبعد أن بقي في القبر ثلاثة أيام، ويطلق على هذا العيد أيضاً عيد القيامة، لأنه يذكر بقيامة السيد المسيح من القبر منتصراً على الموت. ويطلق عليه البعض أيضاً اسم العيد الكبير لأنه يعتبر أهم الأعياد المسيحية أي أكبرها. فقيامة المسيح هي حجر الأساس بالنسبة للعقيدة المسيحية. ويؤكد بولس الرسول على ذلك بقوله "وإن لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا وباطل أيضاً إيمانكم" (1 كونوثوس 15 : 14).
عندما نتكلم عن عيد الفصح في العهد الجديد من الكتاب المقدس، لابد من الإشارة إلى عيد الفصح في العهد القديم، أي قبل مجيء المسيح. وأيضاً من الضروري التعرف على موضوع الذبائح والمحرقات التي كانت تقدم لمغفرة الخطايا. إن كلمة فصح بحد ذاتها هي كلمة مشتقة من الأصل الأرامي (فسحاً) و"فيساح" بالعبرانية وتعني عبور بحسب قاموس الكتاب المقدس "ومعجم اللاهوت الكتابي".
إن الفصح يرمز إلى عبور الله فوق بيوت بني إسرائيل عندما ضرب الله أبكار المصريين قديماً أيام فرعون. وتشير هذه الكلمة أيضاً إلى عبور بني إسرائيل قديماً من العبودية إلى الحرية وذلك عند خروجهم من مصر على يد موسى النبي بعد أن استعبدوا لسنوات عديدة على يد فرعون. ويشير العهد القديم من الكتاب المقدس بأن الفصح بدأ مع بداية الخليقة عندما قدم هابيل أحد بني آدم وحواء ذبيحة الله كما جاء في سفر التكوين من الكتاب المقدس. إن موضوع الفصح في العهد القديم هو للتكفير عن الخطايا وهو مرتبط في تقدمة الذبائح لأنه "بدون سفك دم لا تحصل مغفرة" (عبرانيين 9 : 22) وعلى هذا الأساس كانت الذبائح تقدم بعد سفك دمها كعلامة للتوبة الحصول على المغفرة.
إن موضوع الكفارة من أساسه يدور حول موضوع الخطية والتبرير منها أي الخلاص. وموضوع الخطية هذا قديم من قدم الإنسان. إذ أن الخطية دخلت إلى العالم بواسطة آدم وحواء اللذين عصيا الله وأصبح الناس يتوارثون الخطية. والعصيان هو عدم طاعة أوامر الله، وبما أن الله قدوس فهو يكره الخطية ويعاقب عليها. ومع أنه رحوم محب إلا أنه إله عادل أيضاً وعدله يقضي بأن "النفس التي تخطئ هي تموت" (حزقيال 18 : 20 )، "لأن أجرة الخطية هي موت" (روميه 6 : 23 ).
كانت تقدم الذبائح بطرق مختلفة بعد سفك دمها كعلامة للتوبة، فنلاحظ أن نوح مثلاً قدم ذبائح لله، فيقول الكتاب المقدس "وبنى نوح مذبحاً للرب وأخذ من كل البهائم الطاهرة ومن كل الطيور الطاهرة وأصعد محرقات على المذبح" (تكوين 8 : 20 ).
كما أن الله عندما أراد أن يختبر إيمان إبراهيم طلب منه أن يقدم ابنه اسحق ذبيحة له. وعندما هم إبراهيم أن يذبح ابنه اسحق افتداهه الله فأرسل كبشاً قدمه إبراهيم ذبيحة لله بدل ابنه. فكان الناس في العهد القديم يحاولون التكفير عن خطاياهم بواسطة الذبائح والمحرقات ومنها الحملان والتيوس والثيران وغيرها، كل هذا كان قبل المسيح. ولكن اللاهوت المسيحي يشير إلى أن هذه الذبائح كلها كانت مجرد رموز إلى المسيح "لأنه لا يمكن أن دم ثيران وتيوس يرفع خطايا" (عبرانيين 10 : 4 ).
ويقول الكتاب المقدس "إن الله كان في المسيح مصالحا العالم لنفسه غير حاسب لهم خطاياهم وواضعا فينا كلمة المصالحة".. (2 كورنثوس 5: 19)، وقوله أيضا عن المسيح "الذي فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا حسب غنى نعمته" (أفسس 1 : 7)، فبواسطة موت المسيح تم عمل الفداء وحصلت المصالحة بين الله القدوس والإنسان الخاطىء.
والسؤال الآن؟ لماذا في هذه الأيام لا يزال الناس يمارسون عهد الذبائح ويذبحون الخراف ويضحون بها؟ إن مخطط الله واضح، ففي رسالة القديس بطرس الأولى والإصحاح الثاني والعدد 24 يقول بأن المسيح قدم نفسه ذبيحة، أيضاً "الذي حمل هو نفسه أي المسيح خطايانا في جسده على الخشبة" (أي على الصليب). ففي موته على الصليب أكمل المسيح ناموس الذبائح بتقديم نفسه كذبيحة وبهذا لم يعد من الضروري أن يقدم الناس الذبائح للخلاص من الخطية، لأن المسيح "بذل نفسه فدية لأجل الجميع" (1 تيموثاوس 2 : 6). وهكذا نرى أنه بواسطة موت المسيح على الصليب أنهى عهد الذبائح لأنه كان الذبيحة الأخيرة المرتبة من الله.
لذلك عندما نحتفل بعيد الفصح المجيد علينا أن نتذكر محبة الله المتجسدة بيسوع الذي سفك دمه لأجلنا وصار فصحنا. فالفصح يؤكد لنا أن مسيحنا حي وأنه قام من الموت ليمنحنا حياة جديدة مع المسيح لنحيا معه إلى الأبد. لذا فأولاد الله أي المؤمنون بموت وقيامة المسيح كفارة عن خطاياهم، لا يخافون الموت بل يشتهونه، فقوة القيامة التي فيهم أقوى من الموت، فبسبب القيامة أصبح لا خوف من الموت، لقد وهبنا المسيح روح قيامته حتى يسهل علينا أن نموت كل يوم من أجله ومن أجل الآخرين، لهذا ترنم الكنائس في عيد الفصح الترنيمة التالية: "المسيح قام من بين الأموات، ووطئ (أي داس) الموت بالموت ووهب الحياة للذين في القبور".
إن المسيحية تمتاز بكونها لا تخاف رهبة الموت ولا تضعف أمامه، لأن شعارها دائما "أين شوكتك يا موت، أين غلبتك يا هاوية (1 كورنثوس 15: 55)". هذا هو رجاؤنا، فيسوع هو الطريق الوحيد إلى الله والباب الوحيد الذي يوصل إلى بيت الآب والذين يقبلونه يصبحون أولاد الله ضمن عائلة الله، إن رفضه معناه رفض البنوة الإلهية المجيدة. إن أردت أن تعرفي كيف تصبحين ضمن عائلة أولاد الله: ها هو الطريق واضح أمامك. إن يسوع ابن الله هو مخلص البشر وهو الشفيع الوحيد بيننا وبين الله، وما عليك إلا أن تقبليه من كل قلبك وتسلمي له الحياة. اقبلي يسوع بالإيمان ربا ومخلصا لك فتصبحين ابنة لله فتحدث فيك معجزة الولادة الجديدة. ولهذا نحتفل بعيد القيامة المجيدة.