الصليب.. طريق إلى التاج

الطريق الذي يشير إليه الكاتب في كتابه هذا ليس طريقا محببا للجميع, لكن عندما نسير فيه سنختبر نموا في القوة والإدراك والسلطان الروحي.. قد لا نجد مسافرين كثيرين يرافقوننا في هذا الطريق، لذا غالبا مايبدو موحشا وصعبا.. لكننا مطالبون بألا نرضى بسواه "فالذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص".


الصليب لأجل الإكليل:


اسم يسوع معناه المخلص وهو قد جاء إلى العالم ليخلصنا من الخطايا.. فالإنسان لا يمكن أن يقدم فدية عن نفسه، ولأن الله قدوس وبار فلا بد وأن ينزل دينونته على الخطية لننال العقاب العادل عن خطايانا، إلا أن محبة الآب كلفته ثمنا رهيبا ألا وهو دم ابنه الوحيد، وتكبد الابن الكثير فكان عليه أن يولد في الجسد وأن يضطهد ويرفض، وظل صامتا ومحتملا الكل مضحيا بحياته وإرادته ليخلص حياتنا. يسوع دفع الثمن والدين للكل وقال "قد أكمل" وترك الباب مفتوحا على مصراعيه ليقرر كل واحد أن يؤمن بيسوع طالبا منه غفرانا لخطايانا. فعبارة "قد أكمل" كلفت يسوع الصليب، وبدون الصليب لم يكن يقدر أن ينطق بها. ومن خلال عمل الصليب الكامل دخل إلى مجده وهذا يعني أن الثمن المطلوب لفدائنا قد تم تسديده, وأن ينابيع النعمة والرحمة الإلهية قد فتحت لنا..


حيث لا صليب.. لا إكليل:


إن المسيحية الحقيقية تعلم أن المؤمن يمكن أن يجتاز في النار والماء ومعرض للاضطهاد والألم والوحدة والفشل والرفض والتأديب. فتبعية يسوع تعني أن نحمل صليبه ونسير خلفه ولا يوجد بديل لهذا الطريق. وفي سجل مدرسة النضوج الروحي يسجل الآب السماوي أسماء أبنائه الذين يحملون الصليب ليتبعوا يسوع.. وفي تلك المدرسة العديد من المواد الدراسية التي يجب الإلمام بها ببراعة, وأولئك الذين يجتازون الامتحانات يحملون ثمارا أبدية. فمن هذه المواد لابد أن أتعلم أنه ينبغي أن ذلك يزيد وإني أنا أنقص, وأيضا من خلال المرض والمعاناة نصير مثله فهو رجل أوجاع ومختبر الحزن, وقد نصارع كثيرا مع الفشل وخيبة الأمل نمتلئ بالحزن ووجع القلب وأجد نفسي وحيدة في طرق الحياة, لكن إن كانت لنا العيون الروحية الصحيحة سنرى آثار أقدام يسوع على رمال الطريق في ذلك الوقت على الأخص, فهو يريد أن يسير معنا وقد يتعمد في بعض الأحيان ليعزلنا لتكون لنا علاقة حميمة مع شخصه.


اتبع المصلوب:


قدم الله دعوة مفتوحة للتبعية, لكنه في نفس الوقت وضع شروطا ومتطلبات محددة للتلمذة وهذه الشروط غير قابلة للتفاوض, ففي المقام الأول التجديد والميلاد الثاني, والإدراك بأن من يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء لايقدر أن يكون له تلميذاً, فتلاميذ المسيح هم أشخاص ماتوا عن أنفسهم وعن توقعاتهم واهتمامتهم الخاصة لتتصف حياتهم بالطاعة الكاملة دون أن ينتظروا مكافأة أو مديحا بل تسبقهم أشواق معرفة يسوع واختبار قوة قيامته. قد تكون تكلفة التلمذة باهظة, لكن يجب أن نعرف أن التكلفة الأكبر هي ألا تكون تلميذا.. فالذين ينسحبون من تتلمذهم للمسيح يفقدون حضور الله في حياتهم وعمل الروح القدس في قلوبهم, فتصبح تلك القلوب متكبرة جافة باردة لا تعرف المحبة.


إكليلنا في المسيح:


هناك خطران في الحياة المسيحية: الخطر الأول هو أن معرفتي بمقامي في المسيح وما لي فيه من ميراث ونصرة تنسيني أنني إنسان محاط بالضعف ومحارب من الطبيعة القديمة.. والخطر الثاني هو أن تركيزي ينصب على الشعور بضعفي وعجزي فلا أستطيع أن أرى النصرة في المسيح ولا أقدر أن أحيا حياة الغلبة. وكثيرا ما نشعر بأن هناك شيئا مفتقد في حياتنا: القوة, الحكمة, البصيرة, والأمان.. وننسى أن يسوع كاف وفيه تسديد لكل احتياجاتنا.. ويصلي المؤمنون طالبين قوة روحية ويسوع نفسه هو القوة التي نحتاجها كل يوم في حياتنا لمجابهة الصراع مع الشرير وهو القوة لنا لنعمل عمل الله.


عزيزتي.. قد تكونين سرت في هذا الطريق مسافة ضئيلة.. لكنني أدعوك لتكملي المسير، فلا يوجد طريق آخر لتلاميذ السيد سوى طريق الصليب.. قد يبدو صعباً لكن هناك الآلاف والآلاف.. إكليلنا في المسيح: الذين ساروا خلفه في طريق الصليب ومازالوا يسيرون.. إنه طريق الانتصار والإكليل.