التوحد أحد الاضطرابات التي تصيب النمو العقلي والانفعالي والاجتماعي للطفل، وقد تم اكتشافه في عام 1943، وقد وصف في ذلك الوقت علي أنه من ضمن الأمراض النفسية ولكن بدأ تشخيصه في أوائل الستينات علي يد العالم (كربك). وتظهر أعراض المرض في خلال الثلاث سنوات الأولى من حياة الطفل. ويؤثر التوحد علي سلوك ومهارات الطفل وقدراته اللفظية فهو حالة من حالات الإعاقة التي تؤدي إلي عدم قدرة مخ الطفل على استيعاب المعلومات. وقد وصفته الجمعية الأمريكية للتوحد بأنه إعاقة تطورية تؤدي إلي عجز في التحصيل اللغوي بالإضافة إلي عجز في التفاعل والتواصل الاجتماعي للطفل. وتصيب هذه الإعاقة الذكور أكثر من الإناث بمعدل 4: 1 وفي إحصائيات المركز القومي للبحوث وجد أن الذكور يمثلون 75% من الحالات، وهو منتشر علي مستوى العالم وبين جميع الطبقات الاجتماعية.
وتبين الإحصائيات أن نسبة انتشار المرض في بلد مثل اليابان هي 97 حالة لكل 10.000 بينما في الدنمارك تصل النسبة إلي 4.5 لكل 10.000 طفل، وذلك حتى عام 2000، أما في مصر فلا توجد إحصائيات تشير علي وجه الدقة إلى عدد حالات الأطفال المصابة بالتوحد.
أعراض التوحد:
توجد مظاهر متعددة للتوحد من أهمها
• الضعف في التواصل الاجتماعي:
ويتمثل ذلك في عزلة الطفل وعدم مبالاته بالآخرين. ويتوقف التواصل علي التعبير عن احتياجاته فقط. كما لا يمكن أن يشارك في أي حوارات متبادلة، بالإضافة لأنه غير قادر علي تكوين صداقات أو مبادرات، فهو لا يشارك الآخرين اهتماماتهم ولا يستمتع بوجودهم كما لا يحس بمشاعر الآخرين، إذ لديه فتور في المشاعر فهو لا يفرح لرؤية والديه كما أنه لا يحب العناق والقبلات، وقد وصفت والدة طفل متوحد بأنها عندما تحمله تشعر وكأنها تحمل كيساً من الفاكهة، وفي أحيان كثيرة يبدو وكأنه أصم.
• الضعف في اللعب:
يتصف لعب الطفل المتوحد بأنه لعب تكراري ونمطي، وبمعنى آخر روتيني فهو يميل لتكرار نفس النشاط لانعدام قدرته علي اللعب التخيلي كاللعب بالعروسة أو الطائرة مثلاً. كما أنه يفضل اللعب بمفرده حيث يشمل اللعب الانفرادي حركات متكررة باليد والأصابع وهو مرتبط ارتباطاً شديداً بلعبته فهو يهتم بالجماد والأشياء أكثر من اهتمامه بالآخرين.
• ضعف في اكتساب اللغة:
يقتصر حديث الطفل المتوحد علي العبارات المتكررة، كما أنه يقوم بترديد بعض الكلمات غير المفهومة حيث أنه يعاني من صعوبة في استخدام الكلمات والمفاهيم التي لا معنى لها محدد.
وغالباً ما يردد آخر كلمة في الجملة التي يسمعها، كما يستخدم الضمائر استخداماً عكسياً، فعندما تسأله أنت اسمك إيه؟ يرد أنت اسمك محمد. وبالإضافة إلي ما سبق فإن الطفل المتوحد لديه حساسية مفرطة في الذوق والشم واللمس وقد يعاني في أحيان كثيرة من صعوبة في النوم أو التبول اللاإرادي وأيضاً انخفاض في نسبة الذكاء، وباختصار فالطفل المتوحد يعاني من إعاقات متعددة اجتماعية ولغوية وحسية وسلوكية.
التشخيص
يعتمد تشخيص المرض علي قدرة ومهارات الطبيب المعالج ففي أحوال كثيرة يختلط الأمر علي المتخصصين إذ أن أعراض مرض التوحد تشابه بعض أعراض أمراض أخرى مثل مرض هشاشة كروموزوم X الوراثي أو بعض الأمراض المتعلقة بوظائف الغدة الدرقية أو وظائف المخ. وفي أحيان كثيرة يعتمد بعض الأطباء في تشخيصهم علي الملاحظة وأسئلة الوالدين إلا أن الاعتماد علي الملاحظة لا يكفي لذلك فهناك فحوصات وتحاليل أخرى تجرى مثل A Dos وذلك لاستبعاد الأمراض المشابهة والوصول إلي التشخيص السليم للمرض.
أسباب التوحد:
لا يوجد سبب واضح يؤدي إلي اضطراب التوحد لدى الطفل ومازالت الأبحاث مستمرة لكشف غموض هذا الاضطراب إلا أنه استبعد أن يكون سببه نفسياً حيث كان الاضطراب يفسر علي أنه نتيجة نقص في الإشباع العاطفي بسبب اضطراب الصلة بين الطفل وأمه في الشهور الأولى إذ أن الأم تعتبر العلاقة بينها وبين طفلها علاقة ديناميكية وليست إنسانية، فهي تكتفى بأن تلبي له احتياجاته الفسيولوجية ولا تلبي احتياجاته النفسية كالحاجة إلي الحب والأمان إلا أنه ثبت عدم صحة هذه النظرية إذ أن الأبحاث أكدت أن التوحد هو مرض عقلي ترجع أسبابه لعوامل بيولوجية، فهو نتيجة خلل في وظائف المخ. وهذا الخلل مرجعه عوامل وراثية بمعنى أن هناك جينات متحكمة بالمرض، وقد تبين أن الاضطراب يرتبط بعدد من الجينات وليس جيناً واحداً كما أن هناك عوامل أخرى بيئية تساعد علي ظهور هذا المرض ومن أهمها: تلوث البيئة فقد ثبت أن تسمم البيئة ببعض المعادن مثل الزئبق والرصاص يساعد علي إعاقة نمو الطفل وظهور المرض، بالإضافة لأنه قد لوحظ أن الأطفال الذين يعانون من التوحد تزيد لديهم الحساسية من مادة الكازيين وهي مادة موجودة في لبن الأبقار والماعز كذلك مادة الجلوتين وهي مادة بروتينية موجودة في القمح والشعير والشوفان .
كما ثبت أن هناك علاقة بين لقاح النكاف والحصبة بأنواعها وبين الإصابة بالتوحد إذ أن نسبة الزئبق التي تصل إلي الطفل عن طريق اللقاحات أعلى بكثير من النسبة المسموح بها حسب لوائح منظمة الأغذية العالمية، وهذه النسبة تعتبر سامة وضارة بصحة الطفل وقد تكون من الأسباب التي تؤدي إلي التوحد. كما ثبت من الأبحاث العلمية أن 90% من الأطفال المتوحدين يعانون من نقص في الزنك والكالسيوم والمغنيسيوم وزيادة في النحاس كذلك نقص في الأحماض الدهنية ونقص كامل في مضادات الأكسدة.
اتجاهات الوالدين نحو أطفالهم المتوحدين
منذ اكتشاف الوالدين لمرض طفلهم بالتوحد يصابا بعديد من المشاعر المتضاربة كالشعور بالغضب الذي يشتمل علي اللوم والتأنيب بالإضافة للشعور بالقلق والخوف علي مصير أبنائهما، هذا بجانب مشاعر أخرى سلبية كالشعور بالذنب وفي أحيان كثيرة يصيب الوالدين الاكتئاب. وقد يصل الأمر إلي اتهام أحد الوالدين الطرف الآخر بأنه السبب وراء هذه الإعاقة وقد يتجه غضبهما نحو الطفل نفسه وكثيراً ما يوجها غضبهما نحو الله فيعتبران أن هذا المرض هو ابتلاء من عند الله، أما الأم ففي أحيان كثيرة تشعر بالذنب نحو طفلها المعاق فتعتقد بأنها لم تمنحه القدر الكافي من الحب والاهتمام، وقد تصاب بالإحباط نتيجة عدم تجاوب الطفل مع مشاعرها وعدم قدرته علي التواصل معها، وقد يصل الأمر إلي الاكتئاب خاصة حينما تزداد حالة طفلها سوءاً كلما كبر.
ولكن في النهاية يتقبل الوالدان الواقع المؤلم ويحاولان التأقلم مع إعاقة طفليهما ثم يبدأن رحلة العلاج.
علاج التوحد
في واقع الأمر فإنه لا توجد طريقة واحدة لعلاج حالة التوحد تماماً ولكن توجد مجموعة من الحلول مجتمعة مع بعضها، وهي حلول فعالة في التقليل من شدة أعراض المرض وهو علاج ثلاثي الأبعاد: نفسي واجتماعي ودوائي.
فبالنسبة للعلاج النفسي والاجتماعي:
فهو يهدف إلي تعديل سلوك الطفل بهدف محاولة إكسابه مهارات تساعده علي التواصل مع المجتمع، وبين أهم هذه المهارات: زيادة القدرة علي الانتباه وتكوين علاقات اجتماعية وتعلم اللعب، بالإضافة للرعاية الذاتية التي تجعل الطفل يعتمد علي نفسه، هذا بجانب التعليم الأكاديمي وذلك حسب حالة الطفل الذهنية والنفسية. أيضاً يهدف العلاج النفسي إلي إرشاد الأسرة وخاصة الوالدين لكيفية التعامل مع هذه الإعاقة.
أما بالنسبة للعلاج الدوائي
ففي الواقع لا يوجد دواء محدد للطفل المتوحد وإنما يشمل العلاج الداوئي علي بعض الفيتامينات والمعادن التي تصحح مسار الخلل العصبي الذي ينتج عنه التوحد، ومن أهم هذه الفيتامينات والمعادن فيتامين ب 6 و ب 12 و ج والمغنيسيوم حيث ثبت أن هناك علاقة بين سوء امتصاص الفيتامينات والمعادن من الجهاز الهضمي وبين ظهور اضطراب التوحد. وقد ثبت أن استخدام هذه الفيتامينات أدى إلي زيادة القدرة علي الانتباه وتحسن المهارات التعليمية. كما ثبت أن هناك بعض الأدوية تخلص الجسم من المعادن الثقيلة كالزئبق الذي يسبب ظهور هذه الإعاقة لذلك يستخدم دواء الكورتيزون وهو يعتبر علاجاً أساسياً في هذا المرض، كما تستخدم أدوية مضادة للفطريات والأكسدة والفيروسات وأدوية تحتوي علي الأحماض الدهنية، كما يوصي بعدم تناول الأغذية التي تحتوي علي الكازيين والجلوتين وهي مواد موجودة في البروتينات، بالإضافة لعدم تناول أغذية تحتوي علي نسبة عالية من النحاس.
ولكن من الملاحظ أن أغلب الأمهات اللاتي لديهن طفل متوحد يعتبرن أن مثل هؤلاء الأطفال هم هبة من الله إذ بسببهم تباركت الأسرة وتعلمن من أطفالهن الصبر وطول الأناة والمحبة واللطف وكلها من ثمار الروح وبذلك فقد تحولت اللعنة إلي بركة وهكذا يتحقق قول الكتاب المقدس: (عوضاً عن الشوك ينبت سرو وعوضاً عن القريس يطلع آس) (أش 56: 13)